-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مداخل خطيرة في الفكر المدخلي

محمد بوالروايح
  • 3470
  • 0
مداخل خطيرة في الفكر المدخلي

يحاول أتباع التيار المدخلي تلميع صورتهم ورفع خسيستهم وإثبات انتسابهم للحضرة السنية ودفع شبهة الغلو عنهم بالتذكير في منشوراتهم الدعوية بتقاريظ كبار العلماء في حق شيخهم ربيع بن هادي عمير المدخلي من أمثال عبد العزيز بن باز وصالح الفوزان ليقينهم بأن هذين العلمين السنيين يمثلان الاعتدال والوسطية ويحظيان لهذا السبب باحترام جل المذاهب الإسلامية.

لا تنطبق أقوال ربيع بن هادي عمير المدخلي مع أفعاله، فالحق عنده ما هو عليه وجماعته وأما غيرهم فجماعاتٌ ضالة مُضِلة خارجة عن الكتاب والسنة، من وافقه رافقه ومن خالفه فارقه، ولا يقف الأمر عند المفارقة بل يتعداه إلى وسم مخالفه بكل الصفات القبيحة وإلحاقه بالجهمية والصفوية والرافضة.

ما كتبه الشيخان عبد العزيز بن باز وصالح الفوزان عن ربيع بن هادي عمير المدخلي كان بناء على ما أبداه هذا الأخير من اعتدال ظاهر، يشدد على اجتماع الأمة، وينبذ الفرقة ويحرض على الائتلاف ويشجب الاختلاف الذي يفضي إلى التناحر والتدابر بدلا من الاتحاد والتعاون.

ما حدث للشيخين عبد العزيز بن باز والشيخ صالح الفوزان مع ربيع بن هادي عمير المدخلي يشبه –مع الفارق- ما حدث لإبراهيم عليه السلام مع أبيه كما جاء في قوله تعالى: “وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم “.(التوبة 114). لقد كان ثناء الشيخ عبد العزيز بن باز وصالح الفوزان على ربيع بن هادي عمير المدخلي بناء على ما ظهر لهما من التزامه بأصول الكتاب والسنة ولزوم الجماعة، فلما تبينوا أمره تبرّأوا منه، ويجدر في هذا الصدد الاستشهاد بما قاله الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء عن هذا التيار المدخلي المتلون المتجلبب برداء السنة ظاهرا والبعيد عنها واقعا: “بعض الإخوان سامحهم الله، يصير عندهم هوى على أحد، أو بغضٌ لأحد من طلبة العلم أو من العلماء، فيسألونك عن سؤال أنت تجيب عليه، هم يركّبونه على ذلك الشخص وأنك تعنيه، فيقولون قال فلان في فلان كذا وكذا، أنت ما طرأ عليك فلان ولا علان، أنت تجيب على سؤال فقط. هم يركبونه ويقولون هو قصده فلان، قصده الطائفة الفلانية ويدبلجونه في الأشرطة ويؤلفون كتبا، بأن فلانا قال في فلان كذا وأجاب عن كذا وقصدهم بهذا الإفساد بين الناس والتحريش بين طلبة العلم وإيقاع العداوة بين طلبة العلم، فنحن نحذركم ونعيذكم بالله من هذه الخصلة ألا تغتروا بها أو تنطلي عليكم، احذروا منها غاية الحذر”.

تقرأ في فتاوى ربيع بن هادي عمير المدخلي عن تشديده على وحدة المسلمين واجتماعهم وائتلافهم، ما يخيل إليك أنه عالمٌ جامع حريص على جمع كلمة الأمة وتوحيدها حول الكتاب والسنة، ثم سرعان ما تقرأ له في مواضع أخرى ما ينقض هذا الكلام من أساسه بل ما يشكّل مدخلا خطيرا من شأنه إفساد ما بقي قائما من أصول الاجتماع التي شدد عليها الكتاب والسنة والإجماع وفق المبدأ القرآني: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”. (الأنبياء 92). لا تنطبق أقوال ربيع بن هادي عمير المدخلي مع أفعاله، فالحق عنده ما هو عليه وجماعته وأما غيرهم فجماعاتٌ ضالة مُضِلة خارجة عن الكتاب والسنة، من وافقه رافقه ومن خالفه فارقه، ولا يقف الأمر عند المفارقة بل يتعداه إلى وسم مخالفه بكل الصفات القبيحة وإلحاقه بالجهمية والصفوية والرافضة.

من المداخل الفكرية الخطيرة في الفكر المدخلي حمله وصف “الفرقة الضالة” على كل جماعة تخالفه في المنهج أو لا تلتقي معه في أدبيات الدعوة وآلياتها، فهم يستخدمون للترويج لمذهبهم والقدح في مذاهب غيرهم كل أساليب الدعاية والظنون الكاذبة، يلفقون التهم لغيرهم ثم يلفونها في لحاف من الكتاب والسنة فيتلقفها ضعافُ التحصيل ويستخرجون منها مشاريع عملية خطيرة تُحدث فتنة كبيرة في المجتمع الإسلامي.

للتيار المدخلي ذراعٌ إعلامية هي قناة “البصيرة” التي يبث من خلالها أفكاره ويروِّج لمنهجه في العالم العربي والإسلامي على أنه “الدعوة السلفية الصحيحة الخالية من الشوائب التي لحقت بالدعوات السلفية التي سبقتها”. لقد خصَّص عبد الرزاق الرضواني حلقات كثيرة لنقد من وصفهم بـ”دعاة الضلال وأعداء السنة” فحمل على الكل ولم يسلم من لسانه الدعاة والقراء في بلاد المسلمين وبلاد المسلمين، فهم في نظره على خطأ وهو وجماعته على صواب، وهذا منتهى الغلو الذي لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع.

ظهرت المدخلية كتيار عامل في الساحة الدعوية مع حرب الخليج، وكان ظهورهم –حسب بعض المحققين- ردا على بعض التيارات التي ترى في التعاون مع المحتل خيانة عظمى وجريمة كبرى، فقد قال المداخلة في وقتها إن المسألة تحكمها المصلحة والمصلحة في نظرهم متحققة وهي تحرير الأوطان من المعتدي ولو كان مسلما والاستعانة بالعدو ولو كان كافرا، وكانت هذه نقطة الصدام الكبيرة بين المداخلة ومخالفيهم من التيارات الإسلامية الأخرى، فقد تبادل الطرفان التهم؛ فاتّهم المداخلة هذه التيارات بتعطيل مبدأ الأخذ على يد الظالم ومقاومته لخروجه على سلطان الأمة وتعريضها للتهلكة، واتهمت هذه التيارات المداخلة بالخيانة والمساومة على عرض وأرض الأمة الإسلامية وتسليمها للمحتل الغاصب على طبق من ذهب. لقد شهدت هذه القضية مناظرات ساخنة بين المداخلة ومخالفيهم وهذا شأنهم ورأيهم، أما بالنسبة لنا فإن القضية تستوجب موقفا موحّدا للأمة وليس تلاعنا وتراشقا بين تيارين ليس لهما في النهاية القدرة على وقف العدوان أو صد الاحتلال.

من المداخل الخطيرة في https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%AE%D9%84%D9%8Aالفكر المدخلي مغالاتهم في تطويع النصوص الشرعية حتى توافق أهواءهم ويمكن استخدامها كردود عملية على من يخالفهم في المنهج، فقد اجتمعت فيهم أو في أغلبهم هذه الصفة مع صفات أخرى لا تليق بصاحب الدعوة ولا بمنتسب إلى السنة ومنها صفة التباهي والتعالي، التباهي بأنهم “دليل الأمة” إلى مراتع الإيمان وظِلال السنة وبأن شيخهم هو “الملهم”!  ومعاونيه هم “سراج الأمة”. ولا يحتاج الباحث إلى جهد كبير ليقف على صدق ما ذكرته من أقوالهم وفتاوى شيخهم، بل وصل بهم الأمر إلى رفع شيخهم إلى مرتبة تشبه مرتبة البيت العالي في التاريخ العثماني الذي لا يُقطع أمر ولا يُتخذ موقف إلا بعد استشاراته والاقتداء بأفكاره النيّرة وآرائه المستنيرة. إن بدعة المغالاة في تقديس القائد الأسطوري تتجلّى بكل وضوح في الفكر المدخلي وإن حاولوا تكذيبها أو نفيها عنهم.

ومن المداخل الخطيرة في الفكر المدخلي عدم تمييزه بين مسائل الإجماع ومسائل الاجتهاد وحملهم كل مخالفة لسنّة من السنن التي هي على سبيل الندب والتحبيب على أنها مخالفة صريحة للسنة، وكذا عدم توانيهم في التشنيع على من خالفهم في جزئية من جزئيات الاجتهاد ورميه بالابتداع وتخصيص نشرات مكتوبة وأشرطة مسموعة وكل وسيلة متاحة للتشهير به، ظنا منهم أنهم بذلك يخدمون السنة وهم في الحقيقة يسيئون إليها بفكرهم وغلوّهم وتطرفهم.

ومن المداخل الخطيرة في الفكر المدخلي وضعهم لقواعد مخترَعة لا هي من وحي القرآن ولا من هدي السنة ولا من طريقة السلف رضوان الله عليهم، ومن هذه القواعد على سبيل المثال لا الحصر إخراج منتسبيهم وشركائهم في المنهج السلفي من دائرة السلفية بسبب اتصالهم أو تعاونهم مع تيارات إسلامية أخرى المتحزبة منها على وجه الخصوص، لأن التحزب عندهم “بدعة” و”مدخل من مداخل الشيطان” و”سلوك مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة في هجر أهل الضلالة”.

ومن المداخل الخطيرة في الفكر المدخلي أن طغيان الأنا عندهم وإقصاء الآخرين لسبب أو لآخر قد يجعل منهم مع مرور الوقت –إن لم يكن قد حلّ أوانه- عاملا من عوامل ضرب وحدة المسلمين التي هي مظهرٌ من مظاهر عقيدة التوحيد التي تجمعهم، فليس من السنة ولا من أخلاق النبوة ولا من أخلاق الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم تعميق الفكر الانغزالي في الأمة الإسلامية بدعوى أن من السنة “إيثار العزلة على الجماعة في زمن الفتنة”، فأكبر فتنة ما يعتقده ويكرِّسه المداخلة من فكر يخالف السنة ويخالف إجماع الأمة.

ومن المداخل الخطيرة في الفكر المدخلي أن فكرة تحريم الخروج على الحاكم لا يمكن أن تستقيم إلا إذا ارتبطت بعقيدة إسلامية محورية وهي عدم الخروج على الأمة، فمن الإسلام عدم التحريض على الحكام ولكن من الإسلام أيضا أن يعمل المسلمون -حكاما ومحكومين- على توثيق عرى الاجتماع، وهذا هو المبدأ الشامل الذي نرجو من المداخلة أن يحرصوا عليه ويعملوا على تكريسه في المجتمع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!