مدخلٌ آخر لنهب أموال الشعب؟!
يبدو أن السلطة جادة فعلاً في رفع الدعم عن أسعار بعض المواد واسعة الاستهلاك كالخبز والحليب والدقيق والزيت والوقود… وبيعها وفقاً لأسعارها الحقيقية في الأسواق الدولية، بعد سنوات من التدرّج، وهي تحضّر الشعب لذلك.
وتتحجّج السلطة بأن بعض هذه المواد تُهرّب إلى دول الجوار وتُباع بأضعاف أسعارها كما هو حاصلٌ مع الوقود والدقيق مثلاً، ويجني منها المهرّبون ثرواتٍ خيالية في حين تخسر الدولة ملايير الدولارات في دعمٍ يصبّ في مصلحة المهرّبين قبل الطبقات الفقيرة. ولذلك لا مناص من رفع الدعم عن أسعار هذه المواد ليختفي تهريبُها من تلقاء نفسه حينما تباع بالأسعار نفسها التي تباع بها في دول الجوار..
حججُ السلطة تبدو منطقية ومقبولة، ولكن ينبغي تأكيدُ مسألتين:
الأولى: على الحكومة أن لا تكتفي برفع الدعم وإبقاء الأجور في مستوياتها الحالية بحجة قلة الموارد المالية ومكافحة التضخم، فقد تضررت القدرة الشرائية للجزائريين في عام 2015 إثر تخفيض الدينار بنسبة 22 بالمائة، ما يعني أن أجورهم قد انخفضت بالنسبة نفسها. ومع رفع الأسعار في 2016 تبعاً لقانون المالية الجديد وانعكاساته على قطاعيْ النقل والفلاحة، فستتضرّر القدرة الشرائية للجزائريين أكثر، وسينضمّ المزيد منهم إلى قائمة الفقراء إذا بقيت أجورُهم الحالية دون تغيير. ولذلك، فإن قرار الحكومة تقديمَ مِنح مالية شهرية للعائلات التي تقلّ أجورها عن 50 ألف دينار كدعم مباشر لها، يعني أن ملايين العائلات التي تتقاضى أعلى من هذا الأجر بقليل، ستُعاقَب برفع الأسعار وتتضرّر قدرتها الشرائية برفع الدعم. ولذا يتحتّم على الوزارة معالجة مسألة الأجور بالتوازي مع رفع الدعم.
ثانياً: ينبغي للدولة أن تكون حذرة جدا في مسألة توزيع منحٍ شهرية لملايين العائلات التي تقلّ أجورها عن 50 ألف دينار، في إطار دعمها مباشرة، فقد تذهب نسبة من هذه المنح إلى جيوب مسؤولين محتالين في مختلف المواقع.
لقد رأينا كيف انفجرت فضائح كثيرة تتعلق بتحويل جزء من أموال قفة رمضان، والشبكة الاجتماعية، والمنح المدرسية… وغيرها، إلى مسؤولين فاسدين، واختلق هؤلاء قوائمَ خيالية لموظفين وعائلات وهمية وموتى، بغرض تحويل جزءٍ من هذه المنح إلى جيوبهم، ولم يتردّدوا في نهب الفقراء بكل نذالة وخسّة ووضاعة نفس.
ولا نستبعد أن تتكرّر المسألة مع قوائم العائلات الفقيرة التي ستُوجِّه لها الدولة منحاً شهرية كدعم مباشر، ويحقق مسؤولون انتهازيون ثرواتٍ خيالية منها، عبر اختلاق قوائم وهمية، وأن يتخذوا منها مدخلاً جديداً للنهب والثراء غير المستحق من الخزينة العمومية؛ بيت مال الجزائريين.
قد تنجح الدولة في مكافحة تهريب الوقود وبعض المواد الغذائية إلى دول الجوار واستعادة 3 ملايير دولار سنوياً من المهرّبين، لكننا نخشى أن تنفق أكثر من هذا المبلغ على قوائم وهمية لعائلات فقيرة “يخلقها” مسؤولون فاسدون في مختلف المواقع لنهب أموال “البايلك” في عزّ التقشّف، ونخشى أن يكون رفعُ الدعم بحجة مكافحة التهريب، مجرد استبدال آفةٍ بآفة، مع ضرب القدرة الشرائية لملايين العائلات في الصميم.