-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مدرسة “المغابشين”

عمار يزلي
  • 2238
  • 0
مدرسة “المغابشين”

الدخول المدرسي هذه السنة، يبدو كأنه يوازي الدخول الجامعي من حيث الاكتظاظ”السكاني”، فإذا كان سبب “الانفجار الديمغرافي” هذه السنة في الجامعة، يعود لكون هذه الأخيرة تستقبل هذه السنة دفعتين من “العذاب”، فإن ما يحدث في التعليم الثانوي والمتوسط يشبهه إلى حد ما في “العلوم والآداب”، والسبب هو أن الراسبين قد تمت استعادتهم كلهم، وهذا يندرج ضمن أطروحة الوزارة التي ترى أنها ستتجاوز شعار”التعليم حق للجميع” إلى شعار”النجاح حق للجميع”، ربما بما في ذلك “البكالوريا للجميع”! وهي التي صرحت فيما قبل أنها ستعمل على رفع نسبة النجاح في البكالوريا إلى أكثر من 80 في المائة (باش؟ بالانتقال المباشر إلى السنة أولى جامعي “بالباك ـ لاج؟”.

هكذا، نجد في بعض الثانويات (في وهران التي أعرفها على الأقل) أقساما نهائية بخمسين تلميذا، لم يحصل أن حدث هذا منذ سنوات.. تصوروا قسما مقبلا على البكالوريا بـ50 نفرا (تفر منه أنت ومن معك على أول فلك!).

نمت لأجد نفسي أستاذا أدرّس مادة الفلسفة لتلاميذ القسم النهائي في إحدى الثانويات، وقد حُشر في القسم 51  فردا (وبقرة) “ليقراو مليح ويربحوا الباك” كلهم أجمعون إلا أنا الذي خسرته قبل 29 سنة، لما كان الباك لا تربحه لا “أمك ولا أباك”!

نصف ساعة أقضيها في”التسكات”: بلع فمك، أسس، أسكت، زكرم، إخرس، أردم، أقعد! ثم ربع ساعة في النداءات بسبب الأسماء المعوّجة التي لا ينطقها إلا فم أعوج كفمي: بنعرواطة بودوالي الضاوية.. حاضرة.. بنغربيطو ساطة أحمد الهدار، غائب.. سكوبيدو بوعبيدة.. حاضرة، قرد الغابة بن طيطة، بريزا مسيو.. بلعيه، قولي حاضرة، لا أكمل النداء حتى يجف حلقي فأجيف وأكاد أموت جيفة.. الكربوعي بونعالة، حاضر.. أوووف..

بعدها فقط، أشرع في الدرس ولم يبق من الوقت إلا ربع ساعة: درسنا اليوم حول مفهوم”الكينونة”.. ما معنى الكينونة؟ أنت بوزوواش خرباشة: أستاذ، الخينونة هو سائل يسيل من أنفك الآن (أمسح أنفي من حمى البرد الذي ضربني بسبب “الكليماطيزور”، وأواصل وسط الضحكات التي أفلحت في إخمادها في المهد بأن ضربت صاحب المفهوم على وجهه حتى طارت “كينونته”: الكينونة هي الشعور بذاتيتك كمخلوق وككائن بشري عاقل، فهي ذلك الشعور بالوجود طبقا للكوجيطو الديكارتي”أنا أفكر إذن أنا موجود”! نطق أحدُهم من آخر الصف، سكت دهرا ونطق كفرا: أنا أستاذ لا أفكر “صافي أنا ما رانيش كاين؟!” يتسمى أنا راني هنا غير بلوكة؟! ضحكت، ثم أتركه لينطق غيره: أستاذ، حتى واحد فينا ماراه يفكر سوى في الحرڤة، حتى واحد فينا ماراه موجود، أحنا غير خضرة فوق طعام يفوتوا بنا الوقت وأحنا نتوقتوا بيكم!

وأفيق وأنا أنهي الدرس قبل التوقيت!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • أمال

    شكرا أستاذ أسلوبك في التعبير رائع ،مقالاتك تعجبني أنت موهوب

  • يوسف

    شكرا لك استاذ يعجبني اسلوبك في الكتابة انا مدمن على قراءة عمودك

  • الجزائرية

    أقترح عليك الأستاذ يزلي أن تشارك في كتابة سيناريوهات لصور سلوكية من الحياة اليومية و أنت أدرى بمفعولها في تقويم السلوك و بثها على الشروق تي في مثلا أو غيرها..أتذكر ما قام به المرحوم الأديب أبو العيد دودو من مسرحيات قصيرة و هادفة لما كنا مراهقين كنا نستمع لها من الراديو..أديب بهذه الكفاءة و القدرة العالية على معالجة المجتمع عن طريق الكوميديا أمر مهم جدا و هو موهبة..و نحن نفتقر إلى الأدب الهزلي الهادف و الذي لا يقدر بثمن..تحياتي واحترامي أستاذ.

  • بدون اسم

    يا أستاذ الفاضل أرجوك أن تجمع مقالاتك التي تكتبها في جريدة الشروق في كتاب لأن هذه المقالات مهمة جدا في توعية المواطنين وتبصرهم بواقعهم المهزول الذي خربه المخربون .

  • بدون اسم

    باراك الله فيه
    موضوع جدي بأسلوب هزلي رائع
    أنا شخصيا رسالتك وصلتني 5 على 5 لكن بالنسبة للمسعولين إإإإإإإإإإيه لمن تقرا زابورك يا دود

  • بدون اسم

    انت مبدع وانا مداوم على قراءة عمودك