الرأي

مدرسة “المغابشين”

عمار يزلي
  • 2239
  • 0

الدخول المدرسي هذه السنة، يبدو كأنه يوازي الدخول الجامعي من حيث الاكتظاظ”السكاني”، فإذا كان سبب “الانفجار الديمغرافي” هذه السنة في الجامعة، يعود لكون هذه الأخيرة تستقبل هذه السنة دفعتين من “العذاب”، فإن ما يحدث في التعليم الثانوي والمتوسط يشبهه إلى حد ما في “العلوم والآداب”، والسبب هو أن الراسبين قد تمت استعادتهم كلهم، وهذا يندرج ضمن أطروحة الوزارة التي ترى أنها ستتجاوز شعار”التعليم حق للجميع” إلى شعار”النجاح حق للجميع”، ربما بما في ذلك “البكالوريا للجميع”! وهي التي صرحت فيما قبل أنها ستعمل على رفع نسبة النجاح في البكالوريا إلى أكثر من 80 في المائة (باش؟ بالانتقال المباشر إلى السنة أولى جامعي “بالباك ـ لاج؟”.

هكذا، نجد في بعض الثانويات (في وهران التي أعرفها على الأقل) أقساما نهائية بخمسين تلميذا، لم يحصل أن حدث هذا منذ سنوات.. تصوروا قسما مقبلا على البكالوريا بـ50 نفرا (تفر منه أنت ومن معك على أول فلك!).

نمت لأجد نفسي أستاذا أدرّس مادة الفلسفة لتلاميذ القسم النهائي في إحدى الثانويات، وقد حُشر في القسم 51  فردا (وبقرة) “ليقراو مليح ويربحوا الباك” كلهم أجمعون إلا أنا الذي خسرته قبل 29 سنة، لما كان الباك لا تربحه لا “أمك ولا أباك”!

نصف ساعة أقضيها في”التسكات”: بلع فمك، أسس، أسكت، زكرم، إخرس، أردم، أقعد! ثم ربع ساعة في النداءات بسبب الأسماء المعوّجة التي لا ينطقها إلا فم أعوج كفمي: بنعرواطة بودوالي الضاوية.. حاضرة.. بنغربيطو ساطة أحمد الهدار، غائب.. سكوبيدو بوعبيدة.. حاضرة، قرد الغابة بن طيطة، بريزا مسيو.. بلعيه، قولي حاضرة، لا أكمل النداء حتى يجف حلقي فأجيف وأكاد أموت جيفة.. الكربوعي بونعالة، حاضر.. أوووف..

بعدها فقط، أشرع في الدرس ولم يبق من الوقت إلا ربع ساعة: درسنا اليوم حول مفهوم”الكينونة”.. ما معنى الكينونة؟ أنت بوزوواش خرباشة: أستاذ، الخينونة هو سائل يسيل من أنفك الآن (أمسح أنفي من حمى البرد الذي ضربني بسبب “الكليماطيزور”، وأواصل وسط الضحكات التي أفلحت في إخمادها في المهد بأن ضربت صاحب المفهوم على وجهه حتى طارت “كينونته”: الكينونة هي الشعور بذاتيتك كمخلوق وككائن بشري عاقل، فهي ذلك الشعور بالوجود طبقا للكوجيطو الديكارتي”أنا أفكر إذن أنا موجود”! نطق أحدُهم من آخر الصف، سكت دهرا ونطق كفرا: أنا أستاذ لا أفكر “صافي أنا ما رانيش كاين؟!” يتسمى أنا راني هنا غير بلوكة؟! ضحكت، ثم أتركه لينطق غيره: أستاذ، حتى واحد فينا ماراه يفكر سوى في الحرڤة، حتى واحد فينا ماراه موجود، أحنا غير خضرة فوق طعام يفوتوا بنا الوقت وأحنا نتوقتوا بيكم!

وأفيق وأنا أنهي الدرس قبل التوقيت!

مقالات ذات صلة