-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مرجعيتنا الدينية الثريّة في بلاد زواوة

عدة فلاحي
  • 3829
  • 0
مرجعيتنا الدينية الثريّة في بلاد زواوة

حينما تجلس إلى جانب المجاهد والأستاذ الشيخ محمد صغير بن لعلام، تشعر بالفعل بحالة من “الإمتاع والمؤانسة” وذلك لخفة ظله ومرحه وثقافته الواسعة التي جمع فيها بين اللغة والأدب والتاريخ والدين.. وهذه الروافد كلها تغمرك بكثير من المعارف المستفزة للفكر، مما يدفعك دفعا إلى البحث والتوسع فيها للوصول إلى الحقيقة.

 والمتصفح لإصداره الأخير الذي أهداني نسخة منه خلال زيارتي له في بيته بعنوان “علماء من زواوة”، يكتشف هذه الخلاصة وهذا الانطباع الذي تحدثت عنه؛ ففي التساؤلات التي يطرحها والحيرة التي تبدو في لغته الراقية والعبارات التي استخدمها في حديثه عن الشقيقتين تونس والمغرب وموقفهما السلبي من احتلال فرنسا للجزائر، وعدم التعاون مع الأمير عبد القادر والوقوف إلى جانبه في مقاومته لفرنسا، وهو كذلك في سرده للخلاف التراجيدي الذي وقع بين الأمير عبد القادر وهو مقيمٌ في دمشق مع ابنه محي الدين الذي تحدى إرادة والده وقرر أن يواصل ويرفع راية الجهاد ضد فرنسا بعدما انزوى الأمير عبد القادر إلى ركن العِرفان ويرفض مسعى ابنه إلى درجة اتهامه بـ”العقوق” و”الجنون”، بل والحديث عن معارضة الأمير لثورة المقراني سنة 1871… فلا يمكن والحال هذه أن نتجاوز بسهولة هذه المحطات التاريخية الحساسة التي وثق لها الدكتور المؤرخ يحيى بوعزيز رحمه الله، كما يرى الشيخ بن لعلام الذي يولي أهمية بالغة لبعض المسائل والأمور التي قد تبدو عند البعض ثانوية وهامشية، فبعض تفاصيل الأشياء عنده عظيمة، فهو يتمسك بقاعدة “وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم”، وهو حفظه الله يقلب دفاتر التاريخ وجد بأنها أهملت دور عديد الشخصيات التي أدت واجب المقاومة مثل الشيخ الكبلوتي، وصاحب الجهادين: بالسيف والقلم الشيخ المهدي السكلاوي اليارثني الزواوي الذي تتلمذ عليه المجاهد ووريث الطريقة الرحمانية الشيخ الحداد رحمه الله.

 إن غيرة الشيخ بن لعلام على وطنه الجزائر وبكل ما له علاقة به، جعلته لا يترك فرصة إلا وحاول فيها استكشاف قيمة مراجعنا التي زهِدنا فيها وتعلقنا بالغير، فمثلا هو ينقل إلينا كيف أنه في المشرق عندما أحدث الملك الظاهر بيبرس منصب القضاء المالكي في سنة 664 هـ، لم يجد في كل علماء الشام من يصلح لهذا المنصب سوى شيخ الإقراء أبو محمد زين الدين الزواوي، وقبله كان ابن معط الفراوسني الزواوي، ومن أنه عندما عُقد مجلس علمي في القاهرة تحت رئاسة الملك الناصر أحمد بن قلاوون، لابن تيمية، لمناقشته في بعض آرائه، لم يجدوا من علماء المذاهب الأربعة من هو أكفأ وأقدر لمناقشة ابن تيمية إلا العلامة القاضي شرف الدين عيسى بن مسعود أبو الروح المنكلاتي الزواوي، وهكذا ومثله في مختلف مجالات العلوم والمناصب إلى درجة أن الشيخ بن لعلام يقول بأنه اندهش حينما أحصى أكثر من أربعة عشر قاضيا زواويا في دمشق في ظرف قرنين من الزمن ابتداء من منتصف القرن السابع الهجري، قد خصّص لهم الجزء الأول من كتابه للتعريف ببعضهم. ومرة أخرى يتأسف الشيخ بن لعلام على تفريطنا في تراثنا، وفي مراجعنا إلى درجة أننا، كما يقول، لم نسأل أنفسنا: من هو أستاذ صاحب “الموافقات” الشيخ الشاطبي الذي تتلمذ على يد الشيخ منصور بن علي أبي علي الزواوي الذي قال فيه الأديب الشهير لسان الدين ابن الخطيب في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة “إنه مكفوف اللسان واليد، وله مشاركة في كثير من العلوم

عندما عُقد مجلس علمي في القاهرة تحت رئاسة الملك الناصر أحمد بن قلاوون، لابن تيمية، لمناقشته في بعض آرائه، لم يجدوا من علماء المذاهب الأربعة من هو أكفأ وأقدر لمناقشة ابن تيمية إلا العلامة القاضي شرف الدين عيسى بن مسعود أبو الروح المنكلاتي الزواوي.العقلية والنقلية ودعوي في الهندسة والحساب والآلات…”.

 وإذا كانت للبعض الصدارة في المجامع بالمشرق، فلأبي علي الزواوي الصدارة في المغرب. بعدما شهد له العلماء بغزارة العلم والذكاء، حظي بلقب “الأستاذ” وتبوأ كرسي الأستاذية في “المدرسة النصرية” التي كانت بمثابة أكبر جامعة في الأندلس آنذاك.

 ولمن أراد الاطلاع أكثر على مناقب الشيخ أبي علي فليرجع إلى ما كتبه عنه تلميذه الإمام الشاطبي الذي لا يأتي على ذكره إلا ويقول “لقد حدثني الشيخ الفقيه الجليل أو حدثنا الأستاذ الجليل الأصولي”.. ثم يواصل… ولا يفوتنا استحضار شخصية أخرى لا تقل أهمية وهو أبو الفضل المشدالي الذي قال عنه الإمام السيوطي “هو أحد أذكياء العالم وكان أعجوبة الزمان في الفهم والحفظ والذكاء…” وحينما يقول السيوطي وما أدراك من هو ذلك، فما على المشكِّك في قيمة رجالنا ومكانتهم الرفيعة إلا تصوّر كيف كانت مكانة أبي الفضل الذي توفته المنية وهو لم يتجاوز العقد الخامس من عمره ومع ذلك، ورغم كثرة الترحال وولعه بها، إلا أنه أحاط بجميع علوم عصره بما فيها الطب، ولقد أفرد له الإمام السخاوي الذي كان معاصرا له في “الضوء اللامع..” كما يقول بن لعلام أوفى الترجمات وأوسعها وأكملها وأدقها وأروعها، ويكفينا نقل ما قاله عنه من أنه “أعجوبة الزمن حفظا وفهما وتوقدا وذكاءً وعلما ومكرا ودهاء وتواضعا وكبرياءً” كما ذكر السخاوي كذلك المناوئين والحاسدين لأبي الفضل في مصر…

 ما يمكن قوله بعد اطلاعنا على تراجم أعلام زواوة بداية من الشيخ محمد قاسم الزواوي إلى الشيخ محمد الطاهر علجت، هو أن الأستاذ بن لعلام الذي يعترف بفضل المؤرخ الشيخ المهدي البوعبدلي وبالدكتور المؤرخ يحيى بوعزيز رحمهما الله، قد وفق إلى أبعد الحدود في أن يضيف إلى جهودهما إضافة نافعة في التعريف بأعلام زواوة وإخراجهم إلى النور، وهو بذلك حرّك فينا السواكن وجعل الأجيال الجديدة تفتخر بحق بمراجعها وتتدرب على التخلص من عقدة النقص التي تطاردنا نحو كل ما يأتي من المشرق، وفي أنه حاول أن يتدارك الخلل الذي لازمنا منذ عقود طويلة، وهو أن المغاربة عموما لا يلتفتون إلى الكتابة إلى تدوين وترجمة الإعلام وكتابة السير، وما أحوجنا في هذه الأيام لمثل هذه الكتابات التي تجعلنا نعتز بما هو عندنا ونتحرر من التبعية للغير، وهذه مهمة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ورسالة النخبة الدينية والعلمية التي يجب أن يجاهدوا من أجلها لرفع راية الجزائر إلى السماء، فهل تلتفت وزارة الشؤون الدينية إلى مثل هذه الأعمال الجليلة التي قدمها الأستاذ بن لعلام ((علماء من زواوة)) وتطالب القائمين على المساجد بتخصيص درس الجمعة على الأقل للتعريف بمرجعياتنا التي نحن في أمسّ الحاجة إليها اليوم للتوحد حولها وحمايتنا من الاستلاب؟.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • مصطفى البوريمي الزقلاوي او السكلاوي او الزكراوي الزواوي

    ذكرنا الكاتب مفاخر الامازيغ كانوا مدارس في فنون العلوم ومن منا لايعرف أرجوزة الزواوي نعم انجب الامازيغ علماء كبار سخروا الهوية الاسلامية وليس الهوية اللغوية نعم تكلموا باصولها ولكن قدموا اللغة العربية وابانوا فحولا كبارا اين ابن يعيش الجزولي كلهم امازيغ قدموا للمغرب العربي نمودجا اصيلا لايختلف عن الشرق بل اضافوا فنونا كثيرة علم النحو والمقاصد وعلم الفلك والتوقيت اشكر فلاحي انه ذكر احد اجدادي هو الشيخ المهدي السكلاوي والاصل الزقلاوي كما جاء في المقدمة ادغم وتحول السكلاوي وعندنا في وجدة زكراوي

  • ابو محمد

    لتقلها صراحة مرجعيتنا سببها السلفية المقيتة المتعفنة ،وكما كنت متوقع تماما لم يضع منتدى الشروق الديمقراطي ردي وحكاية الرأي و الرأي الآخر مجرد هرطقات الكنيسة في القرون الوسطى.تمتعوا بديمقراطيتكم.

  • محب العالمات الحكيمات

    رغم اني اشك في كونك امراة لان ما ورد في تدخلك تفكير رجل الا اني اقول لك: نعم العالمة انت ايتها الجزائرية! ماذا لو فتحت مدرسة لناخذ عنك بعض حكمتك و علمك?

  • taha

    وهل ابن تيمية معصوم ؟
    وهل ابن تيمية منع في حياته الآخرين من مناقشة أفكاره؟
    وهل من العلماء المسلمين من ادعى أن رأيه وحي يوحى ؟
    عجبا لأناس مثلكم. كيف يعقل أن تمنع إنسان أن يناقش أفكار الآخرين ؟
    لهذا يخاف الكثيرين من حكم أمثالكم لرقاب الناس.

  • الجزائرية

    يعود الكثير من علماء الدين واللغة العربية لمنطقة زواوة هذه القبيلة التي احتصنت الدين الإسلامي منذ القرن الأول للهجرة وتعاونت مع بقية القبائل الأمازيغية الكبرى ككتامة و صنهاجة التي ينحدر منها ابن باديس.وحرروا الأرض من الإستعمار البيزنطي وريث الإستعمار الروماني المقيت والعنصري مع إخوانهم في الدين العرب المسلمين الفاتحين الذين جاؤوا بعدد قليل، واحتضنوهم بحب وإخلاص وزوجوهم بناتهم واستقروا بزواوة وغيرهاو تعلموا عنهم الدين و تعصبوا له و ذادوا عنه و اشتهر منهم أكبر علماء المغرب الأوسط .