الرأي

مرزوقي‭ ‬لكل‭ ‬بلد‭!‬

قادة بن عمار
  • 13138
  • 45

الرؤساء والملوك العرب غاضبون من زميلهم التونسي الجديد، لأنه أفقد الرئاسة العربية هيبتها، وارتكب جريمة لا تُغتفر، حين قرر أن يتنازل عن جزء كبير من راتبه لفائدة الشعب، ناهيك عن تضحيته بالقصور والخدم والحشم لصالح الإقامة في فيلا صغيرة بمحاذاة قصر قرطاج العظيم؟‭!‬

لماذا لا يسأل هؤلاء الرؤساء والملوك العرب ممّن يرتعدون من إصابة عروشهم بعدوى الثورات والربيع العربي، عن موقف الرئيس المخلوع والدكتاتور الهارب زين العابدين بن علي من خطوة خلفه المنصف المرزوقي؟ الأكيد أن بن علي لو تتاح له فرصة الرجوع ليوم واحد رئيسا لتونس، بل لساعة فقط، لفعل مثلما يفعل معارضه السابق، وقد يزيد عليه بأن يتخلى عن راتبه كله، ويعيش بالماء والخبز، مطلّقا زوجته المتسلطة بالثلاث، مع سجن عائلتها الفاسدة، بدلا من أن يكون أسيرا برتبة رئيس سابق، يخاف الخروج للشارع، مثلما هو الآن في قصره بجدة السعودية.
مفارقة عجيبة تلك التي يعيشها المنصف المرزوقي في حياته، فقد وصفه الخصوم بالأمس القريب أنه رجل مجنون، لمجرد أنه قال “لا” في وجه الدكتاتور، دون أن يخشى لومة لائم، وها هم يصفونه مجددا بالجنون، لأنه فضل أن يكون رئيسا عاديا وليس إلها بشريا على سطح الأرض، فهل باتت‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والتواضع،‭ ‬وممارسة‭ ‬المسؤولية‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬الجنون؟‭!‬
ماذا فعلنا بأولئك العاقلين جدا، والذين أمعنوا في قتلنا وتشريدنا، ونهب أموالنا، ورمونا في السجون، وأبعدونا للمنافي، واغتصبوا حقوقنا، واعترضوا حتى على تنفسنا، وصادروا حرياتنا… هل بات العقل في السلطة العربية، يوازي مفهوم القمع؟
ألم يقل أحدهم أننا بحاجة لمزيد من الثورات العربية في كل الأقطار، حتى ننصّب مرزوقي لكل بلد ولكل شعب، فربما عثرت الأمة أخيرا على طريقها نحو الخلاص من النفق المظلم الذي تتخبط فيه منذ زمن بعيد؟
ألم‭ ‬يناصر‭ ‬العلمانيون‭ ‬والمتبرجات،‭ ‬وحتى‭ ‬الشيوعيون،‭ ‬حزب‭ ‬النهضة‭ ‬الإسلامي،‭ ‬لأنهم‭ ‬رأوا‭ ‬فيه‭ ‬خلاصا‭ ‬من‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬التي‭ ‬مارسها‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬باسم‭ ‬العلمانية‭ ‬وحرية‭ ‬المرأة‭ ‬وحماية‭ ‬السياحة‭ ‬الجنسية؟‭ ‬
لماذا لم تتحرك غريزة السلطة عند الشيخ راشد الغنوشي الذي عاش منفيا لسنوات، فأبى أن يمسك الحكم بيد من حديد، وينصّب نفسه رئيسا أبديا بدلا من المرزوقي، ويصفي خصومه باسم الديمقراطية، ولو فعل العكس، لم يكن أحد ليقول له شيئا، طالما أنه يحوز الأغلبية؟ أليست هذه هي‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬ينادي‭ ‬بها‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ويشترط‭ ‬الغرب‭ ‬احترامها‭ ‬زورا‭ ‬وبهتانا؟

مقالات ذات صلة