الجزائر
أطلقوا تصريحات غريبة أثارت جدلا وتجاوزت حدود الوطن

مسؤولون “يتحرشون” بالمواطن!

زهيرة مجراب
  • 6170
  • 17
ح.م
جمال ولد عباس

أضحت التناقضات الصارخة في تصريحات السياسيين والوزراء تخلف موجة من السخط والغضب لدى المواطنين في كل مرة، لما تحمله من السخرية والاستهزاء بمعاناتهم ومشاغلهم بدل إيجاد حلول فعلية لها، وكذا مادة دسمة لرواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين وجدوا فيها بديلا يعيدهم لزمن الكوميديا الجميلة المفتقدة هذه الأيام.

تحظى خطب الشخصيات السياسية من رؤساء أحزاب ووزراء بمتابعة كبيرة لدى المواطنين، ليس لأن ما يقولونه يحمل حلولا لمشاكلهم أو سينهي معاناة السنين، بل لأن خطبهم تزيد من عمقها وتحمل كمّا كبيرا من السخرية، وكأنها صادرة من أشخاص بعيدين عن هذا المجتمع ولا يعرفون شيئا عن أحوال شعب هذه البلاد وما يعيشه أو حتى طريقة تفكيره.

تصريحات السياسيين تلهم مشجعي الملاعب

وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا “فايسبوك”، تعج مؤخرا بمقاطع فيديو ومقتطفات من أحاديث السياسيين وترافقها تعليقات ساخرة، بل إن بعضها صنع الحدث وتخطى حدود الوطن لتتحدث عنه القنوات العربية والعالمية، وأخرى أثرت قاموس اللهجة المحلية ككلمة “الفقاقير”، وهناك من تحولت لأغان تدوي في الملاعب وتردد على لسان الصغير والكبير. كحديث رئيس الحكومة أحمد أويحيى بأن الشعب ليس من الضروري أن يأكل الزبادي “الياوورت” كل يوم، لتتحول لأغنية رياضية تروي صفحة من الحرمان. زيادة على الصور المضحكة والمتهكمة على تعليقات تصدر من أشخاص يشغلون مناصب هامة وحساسة في هرم السلطة.

مرضى ضحايا تناقضات الوزراء

يعتقد جل المواطنين أن هذه التصريحات استخفاف بهم وبمشاكلهم ومعاناتهم، بدل طمأنتهم والعمل على إيجاد دراسات وبعث مشاريع وحلول تمتص التوتر، آخرها وصف وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، مراد زمالي، لمن لا يملكون بطاقة الشفاء بالعالة على المجتمع، فهم سبب عدم التوازنات المالية بعبارة “الكل يعالج ولا أحد يدفع التأمين”، كما توعد ذات الوزير من لا يملكون بطاقة الشفاء بمنعهم من العلاج.

وكان ذات الوزير قد نعت المصابين بداء السكري بالمبذرين، ونصحهم بتقليص عدد مرات قياس نسبة السكري في الدم حتى لا تكلف شرائحهم الخزينة العمومية أموالا باهظة.

واستطاع وزير الصحة، مختار حسبلاوي، لفت أنظار مختلف الفضائيات العالمية بتعاطفه مع العقرب التي لدغت الأستاذة الجامعية عائشة عويسات في ولاية ورقلة، حيث قال أن العقرب حيوان أليف ولطيف، لا يهاجم أحدا إلا إذا أحس بالخطر، لتنهال التعليقات الغاضبة من المواطنين بعد ما أصبحت العقارب وأمراض الفقر المنقرضة تحصد أرواحهم والمسئولين يتجاهلون وضعهم.

تصريح حجار حول “نوبل” يعتمده العرب كمبرر لتخلفهم

ولم يكن رد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عبد القادر حجار، أقل من سابقيه، بل تحول لسخرية العالم العربي بأكمله عندما فاجأ الجميع بقوله: “ماذا سيفيدني عندما يتحصّل طالب جزائري على جائزة نوبل حتى لو حصلنا على عشرة؟”. وازدادت حيرة المواطنين والعرب من تصريحات الوزير لما شرح رؤيته للنوابغ بعبارة: “النابغة يكون نابغة حيثما كان، لأنه نابغة في ثانوية عادية، بينه وبين زملائه مع أهله وأبناء الحي والمدن الصغيرة والقرى”، حيث تداولت مختلف القنوات والمواقع العربية هذا التصريح الغريب بأحد أسباب تخلف العرب.

 ويبدو أن الغرابة باتت مرافقا دائما لتصريحات المسئولين، فلا تخلو منها خرجات والي ولاية الجزائر، عبد القادر زوخ، أشهرها ما أجاب به ممثلو وسائل الإعلام عندما سألوه عن سكنات الترقوي المدعم lpa،  فأجاب “وين راح نسكنهم، نحطهم فوق راسي”، كانت رصاصة أنهت أحلام المواطنين الذين مازالوا يحلمون بالسكن. وتتواصل الحيرة في كل مرة بالردود الاستفزازية، فقد أجاب أحد المواطنين الذي اشتكى له من غياب ملاعب جوارية ومساحات للأطفال، بأن يحمد المولى عز وجل على امتلاكه مسكنا مزودا بالماء والكهرباء والغاز.

وما زاد الطين بلة، هي الدعوة الأخيرة لحزب “الأرسيدي” التي خلفت موجة استياء بالغة بطلبهم المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، وهو ما دعا المواطنين للقيام بثورة فايسبوكية لرفض هذا المقترح والذود عن الإسلام.

ولد عباس ينال حصة الأسد من الانتقادات

ومن جهته، نال رئيس حزب الأفلان جمال ولد عباس أكبر نسبة من الانتقادات والمتابعات بسبب تصريحاته الغريبة والطريفة التي صنعت الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي لدرجت تأسس صفحات ومجموعات خاصة لتداول جديد تصريحات رئيس الحزب العتيد، ومن أغرب تصريحات ولد عباس التي صنعت جدلا كبيرا على مدى أشهر هو تأكيده أنه درس مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في جامعة واحدة ، كما أنه اخترع آلة تصوير طبي بمناسبة حصوله على الدكتوراه في إحدى الجامعات الألمانية، وفي مناسبة أخرى صرح ولد عباس أنه سيترأس الأفلان حتى بلوغه 100 سنة، وكشف أيضا أنه فجر أربع قنتابل في دقيقة قرب إحدى الكنائس الفرنسية حينما كان مجاهدا، ولم تتوقف تصريحات ولد عباس عند هذا الحد، بل ذهب لأبعد من ذالك حينما أكد أن الجزائر أفضل من السويد ومتقدمة على الكثير من الدول الأوروبية وهذا ما جهل موجات الانتقاد تطاله على مدى أشهر طويلة بسبب تصريحاته الغريبة لدرجة ذهب فيها الكثيرون أنه مصاب بداء “الزهايمر”..

الأستاذ سعدي: العملية الاتصالية تستدعي إدراك المسئول لتفكير الشعب

من جهته، فسر المختص في علم الاجتماع، الأستاذ سعدي الهادي، تضارب التصريحات داخل الوزارات لقلة تواصلهم مع المواطنين وعدم اهتمامهم بالعلوم الإنسانية، وكذا لشغور منصب مستشار في كل وزارة كي يطلعهم على المصطلحات المنتشرة لدى عموم الشعب، ويدربونهم على سبل التواصل معهم. وأوضح المختص أن هناك فرقا كبيرا وتفاوتا بين تصريح مسئول خلال ذكره إحصائيات ما وأثناء مخاطبته لعموم المواطنين، فلغة الحديث في الثانية لابد أن تكون من الكلمات المتداولة عندهم وفي مواقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، وعلى المسئول أن يكون على علم بالإشاعات المتداولة عند عموم الشعب فيعمل على توضيحها وتبرير ما يستلزم تبريره بلغة بسيطة سهلة وواضحة.

ويرى المختص عدم وجود تنظيم للعملية الاتصالية، فالأطراف الثلاثة لا يتحكم فيها، وهو ما يوقع المسئولين في أخطاء كبيرة، فلو توافر مستشارون مكونون في عدة تخصصات كالصحة، التعليم، الثقافة لأرشدوهم وصححوا لهم معلوماتهم وجنبوهم الكوارث التي يقعون فيها، مثلما حدث مع والي ولاية البليدة، الذي توجه إلى مستشفى بوفاريك، لزيارة المرضى المصابين بالكوليرا دون أي إطلاع عن المرض، فرفض الحديث لإحدى المريضات لخشيته الإصابة بالعدوى.

وأكد الأستاذ سعدي أن مناصب السياسيين تستدعي أن يكونوا مكونين في الاتصال، ومدركين أن لدى المتصل به مجموعة من المفاهيم لابد عليه من الدخول في منظومته، وكشف المتحدث عن بعض اللبس الذي يحدث خلال العملية الاتصالية، فمرات يكون المسئول يخاطب آخر في ذات منصبه، وليس المواطن البسيط، غير أن الوسائط الإعلامية المتعددة والمختلفة والتي لا تلعب دورها بشكل صحيح، فتنقل التصريحات بشكل عشوائي مما يحدث سوء تفاهم واستنكار في الوسائط الاجتماعيةـ لأن التصريحات تخرج من سياقها لتسمع في سياق آخر.

مقالات ذات صلة