مساكينٌ هؤلاء الأئمة!
يكاد الأئمة في الجزائر أن يحصلوا بلا منازع، على لقب الفئة الأكثر تعرضا للحڤرة والتهميش في البلاد، فهم بالرغم من المكانة الاجتماعية والأخلاقية الرفيعة التي يحظون بها لدى العام والخاص، إلا أنهم في الوقت ذاته، أشدّ خلق الله تهميشا، وأكثر المواطنين نسيانا لحقوقهم أو مضيّعين لها، وضائعين بحثا عنها لعدة أسباب.
-
الأئمة الذين خصّهم النظام قبل سنوات قليلة بمواد قاسية في قانون العقوبات، فبات حديثهم على المنابر مُراقبا، وهمسهم في الدروس والندوات محروسا، هم أيضا أدنى المواطنين مرتبة في الحصول على الحقوق، والأعلى درجة في المطالَبين بتنفيذ الواجبات، وكأن مهنة الإمام في الجزائر تحوّلت إلى عقاب، بدلا أن تكون تشريفا وطنيا وواجبا دينيا وأخلاقيا ساميا!
-
هؤلاء الأئمة لا بواكي لهم في البلاد، ولا محامين يدافعون عنهم، بل إن الوزارة الوصية المكلفة بشؤونهم، تعدّ أكثر الجهات ظلما لهم، وما حادثةُ وقوف الأئمة احتراما للعلَم، سوى شاهد على أن العقاب يحضر بسرعة، عندما يتعلق الأمر بالإمام، في حين يتم التفكير فيه مليّا، بل وقد يلغى إذا كان الأمر مرتبطا بشخص آخر في مجال مختلف.
-
أحيانا نتصور أن هنالك حملة منظمة للإساءة إلى الإمام، أو تحميله وزر غيره ممن أساؤوا للمنابر والمساجد في سنوات المحنة، فأهلكوا بفكرهم جيلا بكامله، لكن لماذا يُحاسب الأئمة وحدهم بأثر رجعي.. وكأن البقية لم يرتكبوا أخطاء جسيمة وقاتلة ضدّ هذا الوطن؟ لماذا بات تجريم الإمام الأقرب للواقع من تبجيله واحترامه والاستعانة به وبعلمه لصيانة الأمة، وحفظ شرفها وعِلمها وأخلاقها؟
-
مسكين هذا الإمام.. فقد بات كمن يُبعث وحيدا ويُسأل وحيدا ويُعاقب وحيدا، فإن هو تكلّم عن حقه في السكن والأجر، اتهمه البعض بالتمرد وممارسة السياسة، ويقال له حينها إن “العمل النقابي رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه”، وإن دعا لخفض الأسعار، واحترام المستهلكين، اتهمه أباطرة السوق ومافيا المال والأعمال بتحريض الزوالية ضدهم، وإن وقف ودعا بالعفو والعافية للبلاد والعباد نظرا لما يحدث في بلدان عربية وإسلامية أخرى من ثورات وحروب، زعموا أنه يشجع الناس على تقليد غيرهم.
-
لقد بات أئمتنا في الوقت الحاضر لا يتحدثون إلا في أمور عادية جدا، في وقت تشتعل فيه الأمة اشتعالا، ويرتفع لهيبها كل يوم، لكن ومثلما يقال في الأمثال، مُرغم إمامُك لا بطل، ذلك أن الحديث عن تسوية الصفوف، والسكوت في المساجد، والخشوع في الصلاة، وغيرها من الأمور البسيطة، قد تعد في نظر البعض نوعا من ممارسة السياسة، أو التحريض على الفتنة، أو خلق العداوة!
-
عيب أن يتحول الأئمة الشرفاء في نظر البعض إلى مجموعة من اللصوص، يتهافتون على سرقة صناديق الزكاة، وعيب أن تتحول الجمعيات الدينية إلى سلطة رقابة عليهم، تسعى لتغييرهم بمجرد نشوب خلاف تافه وبسيط، والعيب أيضا أن تفقد الوزارة الوصية دورها في الدفاع عن الأئمة، مقابل حرصها على الإمعان في إهانتهم وزيادة محنتهم، بدلا من رفع أجورهم وحفظ كرامتهم.