-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مسلم عند البابا

أمين الزاوي
  • 2574
  • 0
مسلم عند البابا

ماذا يقول مثقف فيلسوف جزائري للبابا بول بونوا السادس عشر إذ يستقبله برحاب الفاتيكان، قلب المسيحية دون منازع؟ هو السؤال الذي خطر على بالي وأنا أقرأ كتاب صديقي الكاتب والوزير والسفير السابق مصطفى شريف “لقاء مع البابا” Rencontre avec le Pape منشورات برزخ الجزائر 2011.

  • وأنا أقرأ الكتاب كنت أتساءل باستمرار كيف سيتعامل فيلسوف مثل مصطفى شريف القادم من جزائر مجروحة بتجربة الإرهاب والعنف والموت، وهو الذي شب على حلقات الصوفية بزاوية مليانة العريقة، والذي حاور جاك دريدا الفيلسوف العقلاني وحاور أيضا جاك بيرك وكتب عنه كتابا، كيف وماذا سيقول للبابا بول السادس عشر؟ من هنا يحمل الكتاب شغف وفضول قراءته ومساءلته.
  • في هذا الكتاب يحكي المثقف مصطفى شريف بطريقة سردية أدبية حساسة وشاعرية مثيرة للقارئ ومشهية للقراءة وعلى مدى الخمسة والخمسين صفحة الأولى وهي فاتحة الكتاب الذي جاء في 375 صفحة، تفاصيل الحوارية التي تشبه حوارية أفلاطون والتي جرت بينهما على انفراد.
  • تبدأ القصة ذات صباح من يوم 11 من شهر 11 من سنة 2006 وعلى الساعة 11 بالاستقبال في رحاب الفاتيكان مقر البابا، ومنذ البدء يعلمنا الكاتب بأننا أمام موعد استثنائي وغير مسبوق الوقوع في هذا المكان التاريخي في أوروبا والعالم المسيحي، حيث وفي قاعة الانتظار يُسِرُّ أحد معاوني البابا للفيلسوف مصطفى شريف بسر في غاية الأهمية وهو الذي من المفروض أن ينمي أكثر فضول الاطلاع وقراءة هذا الكتاب، يقول العون ما يأتي: “هل تعلم سيدي بأنك أول مسلم عبر كل تاريخ الفاتيكان الذي يستقبله البابا وجها لوجه ودون شاهد وللحديث عن الإسلام”. هذه شهادة مفصلية.
  •  ثم يكتب تفاصيل الانتظار بعين لا تترك أيا من التفاصيل تفلت من القلم، والزيارة التي يقوم بها تشبه في شكلها زيارة عائلية فهو يجيء البابا صحبة ابنه، وفي هذه الصحبة كثير من الراحة والاطمئنان.
  • وأنا أقرأ مدخل الكتاب ذكرني بمداخل بعض الروايات الكلاسيكية لبالزاك أو تولستوي. والكتاب مؤثث بمجموعة من الصور مع البابا في الاستقبال وفي التوديع، وهو ما يعطي للكتاب بعده الفرجوي.
  • اللقاء مع البابا مكتوب بطريقة مسرحية، فيه الوصف وأولها ابتسامة البابا وفيه السؤال والجواب والحوار والقاعة والكرسي، فيها الاختلاف والاحترام وفيها أيضا النقد والخوف والتأسف والجرأة.
  • نص الحوار الذي جرى منقول “حرفيا” كما يبدو من طريقة كتابته بخط مائل متميز، والسؤال الذي تبادر إلى ذهني: هل الحديث الذي دام نصف ساعة وهو وقت طويل في برنامج رجل بمسؤوليات البابا، كان مسجلا وبالتالي تم استنساخة من آلة التسجيل أو فيديو مصور، أم أن الحديث تمت كتابته بناء على الذاكرة، الكاتب لا يخبرنا عن الطريقة، ولكنه ينبهنا إلى أنه قدم في نهاية اللقاء جملة من انشغالاته الفكرية والفلسفية والسياسية حول ضرورة حوار الديانات السماوية الثلاث خاصة والتي هي كما عبر عنها في الكتاب تمثل الفروع الثلاثة لشجرة واحدة.
  • كتاب مصطفى شريف “لقاء مع البابا” كتاب بيداغوجي، للعامة والخاصة، ولكن يبدو أنه مر بصمت، فلا العامة قرأته ولا الخاصة على أهميته وحساسية موضوعه الذي هو أساسا حوار الديانات أو بالأحرى حوار المتدينين أو اتباع الديانات السماوية عن أمور دنياهم وأمور سياساتهم.
  • الحديث بين المتحاورين كان باللغة الفرنسية، وهي لغة العمل الفكري للكاتب مصطفى شريف، وهو ما يجعله ربما أكثر راحة على المستوى الفكري وهاجس التوصيل، ولكنها ليست اللغة الأولى ولا الثانية للبابا مع أنه يتكلمها على طريقته الخاصة.
  • منذ البداية يوضع هذا اللقاء في خانة خاصة، فهي زيارة غير رسمية، وهي في الوقت نفسه ليست زيارة مجاملة لأنها تحمل رسالة بكل معنى الرسالة ماديا (سلم مصطفى شريف رسالة إلى البابا ضمنها جملة من انشغالاته وانشغالات المثقف المسلم أو المنتمي إلى أرض الإسلام) ورمزيا من خلال الدفاع عن حوار الديانات والدفاع عن صورة معينة للإسلام كدين تسامح وتراحم واحترام الديانات السماوية الأخرى اليهودية والمسيحية، كل ذلك من خلال شهادات يسوقها الكاتب في شكل آيات قرآنية.
  • وقائع اللقاء بين البابا والفيلسوف، كما عرضها الكاتب في المقام الأول من الكتاب، تؤكد أن ليس هناك أي اختلاف بين المتحاوِرَيْن، بل إن هناك رغبة كبيرة في البحث عن بناء ثقافة الثقة بين عالمين روحيين مهددين بالانهيار وإشاعة الخوف والحروب والكراهيات والمجاعات بكل أشكالها المادية والروحية.
  • يتقاسم المتحاوران رغبةَ التعاون ورغبة التشارك في حب الله وفي احترام الاختلاف وفي الدفاع عنه بكل أبعاده الدينية العقدية السماوية والحضارية والسياسية الدنيوية.
  • ولكن هذا الحوار، بين فيلسوف مفترض وديني مفترض، بَيَّنَ لنا بأن المثقف الديني المعاصر، كما الفيلسوف المعاصر، كما الأديب الشاعر المعاصر، الجميع يتكلم لغة واحدة أو متشابهة، وهذه واحدة من الصور التي تعكس أخطر صور أزمة الخطاب، وإنها أساسا  تعني أزمة الإنسان. إن الخطاب بقدر ما يتعدد ويتناقض ويتقاطع في شكله وفي مفردات لغته وفي مرجعياته وفي إيحاءاته فإنه يُحيلُ على مجتمع ديناميكي، وكلما كانت خطابات رجل الدين ورجل الإبداع ورجل السياسة ورجل الفلسفة خطابات متشابهة منسوخة ومستنسخة فإن في هذه “إن البقر تشابه عليهم” إشارة إلى أزمة عضوية. وهذا ما نلحظه اليوم في الشمال كما في الجنوب، فالخطابات متداخلة ولا تحيل على مرجعياتها الخاصة بها. وكتاب مصطفى شريف “لقاء مع البابا” يكشف بوضوح عن أزمة الخطاب، خطاب الحوار.
  • في هذا الزمن، حين يتكلم برنار هنري ليفي لغة ساركوزي ويتكلم برهان غليون لغة السياسي الموسمي، فإن في الأمر إشكالا ما، وحده محمود درويش لم يتكلم لغة غير لغته التي هي لغة الطير، التي هي لغة الشعراء حتى وهو مكلف بما يسمى بوزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية الوهمية، لم يتنازل عن لغته التي هي نفسه وتنفسه.
  • … كان ذلك يوم 11 من شهر 11 من سنة 2006 وعلى الساعة 11، حدث اللقاء بين مصطفى شريف والبابا بول السادس عشر، وها هو هذا الأخير قد رحل إلى جوار ربه، ولكن هل تقدم الحوار خطوة؟ هل تأسست الثقة أكثر؟ هل السلام تقدم؟ 5 سنوات مرت على هذا اللقاء ورأسمال الأحزان يتعاظم ومثله رأسمال الحروب والكراهيات، ومع ذلك أتساءل: 
  • عجيب أن كتاب “لقاء مع البابا” لمصطفى شريف على الرغم من أفكاره الكثيرة وإشكالياته المعقدة لم يثر نقاشا جادا في بلادنا، لا بين الفلاسفة إن وجدوا ولا بين الجامعيين إن انتبهوا ولا حتى بين السياسيين إذا كان لهم وقت للقراءة؟؟؟ والسلام عليكم.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!