مشاريع وثرثرة حول المشاريع
سونالغاز تعلن عن مشاريع ضخمة… هل تستطيع أن تحققها ميدانيا، أم أن الإعلان عن المشروع أصبح يشكل سياسة بحد ذاته؟
سونالغاز مؤسسة طموحة جدا، إنها تسطر لمشاريع كبرى، لا تكتفي من خلالها أن تضمن توفير الطاقة للبلاد على المدى القريب، بل إنها تفكر في المدى البعيد على أحسن الصور. وقد أكدت الشركة أنها ستعمل لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة للحفاظ على مخزون البلاد من المحروقات، في إطار مخطط طموح بعيد المدى يجعل من الجزائر بلدا رائدا في ميدان الطاقات المتجددة.
وقد أعلنت سونالغاز أنها ستستثمر ما يقارب 74 مليار دولار إلى غاية سنة 2030 لضمان حاجيات البلاد في ميدان الطاقة. وأكدت الشركة أن نصف هذا الاستثمار سيخصص للطافات المتجددة، خاصة منها الشمسية. ويدخل هذا الاستثمار الكبير في إطار مخطط مدروس يشمل كل الجوانب، من التمويل إلى التكوين، مرورا بالتعاون وتحويل التكنولوجيا وغيرها من الجوانب التي يتقن البخراء الكلام عنها في الملتقيات والمؤتمرات الصحفية.
وأكدت سونالغاز أنها ستنتج أكثر من 4.200 ميغاوات من الطاقة من مصادر متجددة خلال العشرية القادمة. وقد انطلق الاستثمار الأول الذي يبلغ 250 مليون دولار لإنجاز مشروع أول لإنتاج التجهيزات الضرورية للطاقة الشمسية. وأكدت الشركة المكلفة بالملف أنه سيتم استيراد 60 بالمائة من التجهيزات في بداية الأمر، لكن سرعان ما تنقلب الأمور لتتكفل الشركة بإنتاج تلك المكونات محليا، خاصة وأن وزارة المناجم ستشرع قريبا في استغلال السليسيوم الموجود بكثافة في بلادنا…
ولتؤكد عزيمتها، أعلنت سونالغاز أنها ستطلق مشروعا لإنتاج ألف ميغاوات من الكهرباء الشمسية مع شركائها في مشروع “ديزارتاك” Desertec . وقد قررت سونالغاز أن تدخل المغامرة بعد أن فرضت شروطها المتعلقة بإدماج المؤسسات الوطنية في المشروع وتحويل التكنولوجيا واقتسام التمويل وفتح السوق الأوربية للطاقة.
هذا عن الكلام… أما الواقع، فإنه يختلف جذريا، ولنسمع ماذا يقول مسؤولون وخبراء من نفس القطاع لنتأكد أن هذه المشاريع ثرثرة لا أكثر ولا أقل، وأن التخطيط والمشاريع المعلنة ليست إلا كلاما يباع في السوق…
وقد قال السيد نور الدين بوطارفة، المدير العام لشركة سونالغاز نفسه، إن الإجراءات المفروضة حاليا تكاد تشلّ عمل الشركة. وقال إن الإطار القانوني الحالي وتصرف مصالح الجمارك والعدالة يدفعان إلى اعتبار إطارات سونالغاز كمجرمين يقضون وقتهم بين مكاتب الجمارك والعدالة. وقال السيد بوطارفة أنه لا يمكن العمل في ظروف تسيطر فيها الشكوك.
وكان المدير العام لشركة سونالغاز نفسه في ماض قريب يرفض رفع قدرة إنتاج الشركة لما كان الوزير يعارض الفكرة، مما أدى إلى الانقطاعات المتكررة للكهرباء في الأيام التي يرتفع فيها الاستهلاك. ثم رفض السيد بوطارفة الانضمام إلى مشروع “ديزارتاك” لما كانت السلطات الجزائرية لم تحدد موقفا واضحا من المشروع، فكاد أن يغيب في مشروع يقال إنه سيعمل لتجنيد 500 مليار دولار للاستثمار، وسيضمن جزءا هاما من استهلاك أوربا من الطاقة بعد خمسين سنة.
ومن جهته، قال السيد مسعود بن مهور، رئيس جامعة تطوير السيليسيوم، أن الجزائر لا تكسب المحيط الضروري لتحقيق المشاريع المسطرة في ميدان الطاقات الجديدة. وذكر على سبيل المثال البيروقراطية التي تشكل حاجزا لم تستطع مؤسسته أن تجتازه لشراء الأجهزة العلمية الضرورية للجامعة. وقال إنه حصل على تمويل لبعض الأجهزة العلمية منذ سنة 2007، لكنه لم يتمكن لحد الآن من شراء هذه الأجهزة بسبب تعقيد الإجراءات، ولن يحصل عليها قبل سنة 2014، وقال إن هذا الوضع غير مقبول إطلاقا.
وأكد السيد مسعود بن مهور إنه من المستحيل أن نحقق هذه الأهداف في الوضع الحالي. وقال إننا لا نملك القواعد الضرورية لذلك، وأن المحيط غير ملائم. واعتبر أنه طبيعي أن نستورد أغلبية الأجهزة في بداية المشوار، بشرط أن نستولي على التقنيات بصفة تدريجية، لكن ما يحدث اليوم لا يشير إلى أن الجزائر تأخذ هذه الاتجاه.
ونكتفي بهذا الكلام الصادر من مسؤولين سيلعبان دورا أساسيا في تحقيق طموحات الجزائر في الطاقات الجديدة، لنلاحظ أن كلاهما يعتبر من المستحيل تحقيق هذه المشاريع. لكن ذلك لا يمنعهما من الكلام وتسطير المشاريع من أجل غزو القمر واحتلال المريخ… وكيف نصدق السيد بوطارفة لما يقول إنه سيشارك في مشروع ضخم لتمويل أوربا بالطاقات الجديدة وهو الذي عجز عن توفير الطاقة للجزائريين رغم أن كل بترول وغاز الجزائر تحت تصرفه؟
وأخيرا يمكن أن نبدّل شركة سونالغاز بأية شركة أخرى، ونغير السيد نور الدين بوطارفة بأي مسؤول في مؤسسة كبرى لنلاحظ الفارق الكبير بين كلام المسؤولين وما يمكن أن يحققوه ميدانيا…