-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مشاوراتٌ لربح الوقت

حسين لقرع
  • 2243
  • 1
مشاوراتٌ لربح الوقت

بعد انتهاء انتخابات الرئاسة وأداء الرئيس القسم الدستوري وقراءة ثلاث فقرات فقط من خطابه بشق النفس، وتشكيل حكومة ولاءات كالعادة، تتجه الأنظارُ الآن إلى “الدستور التوافقي” الذي اقترحته السلطة على المعارضة منذ أيام، لإلهائها بضعة أشهر حتى لا تبقى الحالةُ الصّحية للرئيس شغلَها الشاغل طول الوقت، وتحصل السلطة على وقتٍ كاف لتجهيز بديلها في المرحلة القادمة استعداداً لأي طارئ.

ويُنتظر أن تفتح السلطة بشأن الموضوع استشاراتٍ ونقاشات “واسعة” طيلة 4 إلى 6  أشهر مع مختلف الأحزاب والشخصيات الوطنية والجمعيات، ثم تخيط دستوراً آخر على مقاسها كما تعوّدت أن تفعل في كل مرّة.

في أوائل عام 2011 شعرت السلطة بالرّعب من زلزال الربيع العربي الذي أطاح ببن علي ومبارك في ظرف قياسي ثم انتقل إلى ليبيا وسوريا والبحرين واليمن.. فسارعت إلى طرح فكرة “الإصلاحات السياسية” في أفريل 2011، واستقبلت الرئاسة الكثيرَ من الأحزاب والمنظمات والجمعيات في “استشاراتٍ واسعة” وأنشأت لجنة برئاسة عبد القادر بن صالح لجمع اقتراحاتها حول “ماهية الإصلاحات المطلوبة”، وقد ذكّرتنا تلك “الاستشارات الواسعة” التي شارك فيها كل من هب ودب، بسيناريو حوار “المجلس الأعلى للدولة” في 1992 و1993 مع الأحزاب المجهرية وجمعيات تربية الطيور والنحل والرماية بالقوس والرياضات الميكانيكية… حول كيفية معالجة الأزمة الأمنية الخطيرة التي كادت تعصف بالبلد آنذاك، ثمّ أنشأت في 1993 لجنة أسندت رئاستَها لبن صالح بهدف مواصلة “الحوار” وربح المزيد من الوقت، بعد أن شعرت أن الرئيس علي كافي كان يريد تجاوز الحزيبات وجمعيات تربية الطيور.. والذهاب مباشرة إلى حوار حقيقي مع الطرف الآخر الحقيقي المعروف في الأزمة.

ومثلما انتهى حوارُ لجنة بن صالح في أوائل 1994 بتسليم الحاج موسى الحكم لموسى الحاج، وتبيّن أن الهدف منه كان ربح الوقت فحسب إلى غاية تعديل موازين القوى على الأرض لصالح السلطة، فقد تبيّن في 2011 أيضاً أن السلطة قد أعادت نفس السيناريو مع لجنة أخرى لبن صالح ولعبت على عامل الوقت مجددا إلى أن تمرّ عاصفة الربيع العربي، وقد مرّت وأحسنت السلطة استغلالها في تشريعيات 2012 حينما حذر بوتفليقة من سطيف الجزائريين من الفوضى، فهرعوا إلى انتخاب جبهة التحرير في مناسبتين انتخابيتين، ثم كرّر وكلاؤُه السيناريو نفسه في أفريل الماضي ونجحت الخطة مجدداً.

ومع ذلك، تحتاج السلطة إلى “ربح” أشهر أخرى لإبعاد النقاش عن صحة الرئيس وإشغال المعارضة والشعب بـ”الدستور التوافقي” المنتظَر، ريثما تحضّر بديلها، وستبعث الاقتراحات التي جمعتها لجنة بن صالح من الأحزاب والجمعيات من الأرشيف لـ”دراستها” وستفتح نقاشا “واسعا” مع الطبقة السياسية وكل من هب ودب من الجمعيات والمنظمات أشهرا معدودة، ولا شك أن السلطة ستخرج بعدها بدستور على مقاسها وإن بدت بأنها قدّمت تنازلاتٍ للمعارضة.

قد تتظاهر السلطة بالتنازل في الدستور القادم وتعود إلى العمل بنظام العهدتين، ولكن تداول الرئاسة سيقتصر على شخصياتها ولن يكون للمعارضة فيه نصيب، وقد تقرّ النظامَ البرلماني بدل الرئاسي، ولكن الهيمنة فيه ستكون لجبهة التحرير والأرندي وبقية أحزاب الموالاة، وقد تقرّ تعديلاتٍ أخرى ستبدو لصالح المعارضة كتعزيز الحقوق والحريات والفصل بين السلطات… ولكنَّها لن تجد طريقها إلى التطبيق كالعادة.. الممارساتُ السلطوية ستبقى نفسها، والتغييرات ستكون شكلية والنظامُ سيبقى هو الحاكم الفعلي من وراء ستار كما هو حاصل منذ 1962.

المشكلة مشكلة ممارسات شمولية احتكارية إقصائية، ولم تكن أبداً مشكلة نصوص وقوانين. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • سفيان

    كلام سليم جدا جدا