-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
إطارات.. مغتربون و"زوالية" على مائدة واحدة

مطاعم الرحمة.. من استقطاب الفقراء إلى الباحثين عن “اللمة”!

روبورتاج: وهيبة سليماني
  • 3882
  • 0
مطاعم الرحمة.. من استقطاب الفقراء إلى الباحثين عن “اللمة”!
أرشيف

لم تعد مطاعم الرحمة في رمضان، تجمع فقط الفقراء والأشخاص دون مأوى وعابري السبيل، فقد باتت مكانا مفضلا لعائلات بأكملها، ولموظفين ومغتربين وأجانب من مختلف الجنسيات، ولكل الذين يهربون من “الوحدة” بحثا عن الأجواء الرمضانية الجماعية، واللحظات الجميلة التي تجمعهم بعدد كبير من الأشخاص إلى مائدة الإفطار.
ولا غرابة في المجتمع الجزائري الذي تعود على التكافل والتضامن في شهر الرحمة أن يسارع لتنظيم هذه المطاعم التي تستقبل قاصديها في أجواء تميزها الروح الجماعية والكرامة والأنس.. وهي الصورة التي وقفت عليها “الشروق” في اليوم الثالث للشهر الكريم داخل مطعم الرحمة “الخيمة العملاقة” بكتاني باب الوادي بالعاصمة، التي تتسع لـ1200 شخص اختلفت مستوياتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى توجهاتهم الدينية!

إطارات ومغتربون وطلبة يتنافسون على الخدمة
وحملت الخيمة العملاقة بكتاني باب الوادي، فسيفساء من الناس أين التقى فاعلو الخير والمتطوعون بالمتشردين، والفقراء المعدومين، وعائلات تقطن في أحياء قريبة من مطعم الخيمة العملاقة، وإطارات في شركات مجاورة، وموظفين وعمال سوريين وأتراك وأفارقة، ومغتربين جزائريين فضلوا أجواء مثل هذه المطاعم عن البقاء في بيوت أقاربهم..
وكانت “الشروق”، قد وصلت إلى الخيمة العملاقة لمطعم الرحمة قبل أذان الإفطار بساعتين، أين كان مدخلها يشهد طابورا طويلا لعائلات جاءت لتأخذ وجبات الإفطار، مفضلة أن تتناولها في البيت.
واستطاع هذا المطعم أن يخصص وجبات محمولة لـ150عائلة معوزة، وتنوعت بين حساء”الشوربة” وطبق رئيسي، والسلطات، والمشروبات، والتمر أو البرتقال.
وقالت سيدة جاءت لتأخذ وجبة الإفطار من مطعم الخيمة العملاقة التي تشرف عليه جمعية “أمل الجزائر” “هوب دي زاد”، إنها عجزت تماما على أن تشتري مواد غذائية وتواجه مصاريف رمضان، ولكنها وجدت ضالتها في هذا المطعم، وخاصة أنها مريضة بسرطان الثدي وتم بتر ثديها، ونصحها الأطباء بأن تبتعد عن حرارة المطبخ.
ومع اقتراب موعد الإفطار، بدأت حركية الشباب المتطوع تخلق دفئا تضامنيا، وقف عليه رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني، نور الدين بن براهم، الذي راح هو الآخر يمد يد العون، لتشجيع العمل التطوعي وإبراز أهميته في المجتمع الجزائري.
ولم يبخل الشباب سواء الطلبة أم البطالين، بالمساعدة والتطوع لفعل الخير، فكانت فتيات في عمر الزهور، تتنقل مثل الفراشات بين موائد الإفطار توزع الأطباق والخبز والمشروبات، بينهم طالبة جامعية وجدت حسب ما أكدته لـ”الشروق” راحتها النفسية وهي تبذل جهدا في خدمة الغير.
ووجد بعض الكهول سواء من النساء أم الرجال، هم أيضا متعتهم في العمل التطوعي والإشراف على توزيع الأطباق والوجبات على الموائد الكثيرة التي احتلت مساحة، حسب رئيسة جمعية أمل الجزائر، مريم لعريبي، 1500 متر مربع، جانبا خصص للرجال، وآخر للعائلات، وزاوية من مطعم الرحمة كانت للنساء.
وقال يوسف، مغترب منذ 30 سنة بإنجلترا، جاء في زيارة لشقيقته بباب الوادي، إنه فضل أن يقضي وقته في التطوع، وخدمة المفطرين في مطاعم الرحمة، على أن يبقى نائما في البيت ينتظر وقت أذان الإفطار.
وأكد لـ”الشروق”، أن متعته تتمثل في العمل التطوعي، حيث وعد نفسه بأن يقضي شهر رمضان متطوعا في مطعم الخيمة العملاقة، يقوم بالمساعدة وتوزيع الوجبات، وتنظيف الموائد بعد الإفطار، موضحا أن حاله ميسور، فهو يعمل في مجال الإلكترونيات بلندن، وله 3 أولاد وزوجة هناك.
والتقت “الشروق”، بمغتربة بفرنسا رفقة ابنتها، جاءتا للتطوع في خيمة جمعية أمل الجزائر، ووجدت راحتها النفسية حيث قالت أنها تمكنت من تفريغ كل الضغوطات التي عاشتها في الغربة، من خلال التطوع وفعل الخير، وكما رأت أن الإفطار بين الفقراء وعابري السبيل برفقة ابنتها الشابة، يزيدها شعورا بالسعادة خاصة عندما ترى تلك الابتسامة حسبها، في عيون أناس بسطاء وفقراء أياديهم ترتعش وهم يحملون ملعقة الحساء نحو أفواههم.

هنا.. تلتقي نظرات “الزوالية” بابتسامات الميسورين وأصحاب المناصب
وقبل أن يرفع أذان الإفطار، تلحظ تلك العيون للفقراء والمتشردين وعابري السبيل ممتلئة بنظرات من الحزن والرضا في آن واحد، وتتطلع إلى أجواء الدفء والمؤانسة ونشاط عشرات المتطوعين، يلبسونها كغطاء من الأمل والشعور بأن الخير لن ولا ينقطع في بلاد مليون ونصف مليون شهيد.
وما يحفظ كرامة هؤلاء تواجد الأغنياء والميسورين والموظفين في المناصب العليا، والعمال من الأجانب الأتراك والسوريين والأفارقة، ورفقاء مرضى مستشفى لمين دباغين (مايو) بباب الوادي، حيث يتبين لهم أن مطاعم الرحمة ليست فقط مكانا لهم بل هي عائلة عملاقة يتنوع أفرادها وتختلف مستوياتهم.
وقال عبد الرحمان، البالغ من العمر 53 سنة، مغترب بكندا، إن مثل هذه المطاعم، رحمة للجميع فهي بالنظر إلى كونها توفر وجبات لمن لا يستطيع أن يسد حاجيات الشهر، فإنها مكان يهرب إليه من يعاني الوحدة، والضغط، ومن يبحث عن الفضاء الذي يجمعه بالفقراء كي يشعر بهم، ويقوي إيمانه ويغير بعض سلوكياته.
وأكدت فتيحة، التي جاءت من ولاية سطيف لترعى والدها المريض في مستشفى لمين دباغين “مايو” بباب الوادي، وتحرسه ليلا، أن مطاعم الرحمة استطاعت أن تحل الكثير من المشاكل، وقالت: “لم أكن أتصور أنني سوف أدخلها يوما” خاصة أنها ميسورة الحال وتعمل إطارا في بنك بذات الولاية.
وقالت خالتي حنيفة، البالغة من العمر 76 سنة، إن مطعم الرحمة ملاذ لها، لأنها تعيش الوحدة، ولا تستطيع أن تطبخ، فرغم أنها ميسورة الحال ولديها أبناء في فرنسا، إلا أن وحدتها جعلتها تفضل الإفطار يوميا في الخيمة العملاقة، وخاصة أن أكلها طيب ولائق.
وزادت فرحة وبهجة عابري السبيل والأشخاص دون مأوى، عندما شاركهم المرصد الوطني للمجتمع المدني، المتمثل في رئيسه نور الدين بن براهم، وأعضاء منه، ومجموعة من الصحفيين، والإعلاميين في مختلف وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة.

عائلات بأكملها تهرع إلى مطعم الرحمة
وبحسب الاستطلاع الذي قامت به “الشروق”، ليلة أول أمس، في مطعم الرحمة بالخيمة العملاقة بكتاني باب الوادي بالعاصمة، تبين أن عائلات بكامل أفرادها تأتي لتفطر في هذا المطعم، حيث قالت سيدة في الـ 45 سنة من عمرها كانت رفقة شقيقيها، إنها لا تقدر على توفير اللوازم والمواد الغذائية لتحضير الفطور في بيتها، وخاصة بعد وفاة والدها الذي ترك لها مسؤولية شقيقها.
وأكدت أن مطعم الرحمة هو السبيل الوحيد لتضمن وجبة الإفطار يوميا، وهذا ناهيك عن الشعور بالقلق والضغط في منزلها، الأمر الذي ترى في مثل هذه الأماكن متعة وراحة نفسية وأجواء قادرة أن تنسيها همها ووضعها الاجتماعي السيئ.

الروح الجماعية والكرامة سر الاستقطاب
وفي سياق الموضوع، أكد رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني، نور الدين بن براهم، لـ”الشروق”، أن الخرجة الميدانية التي قام بها المرصد بأعضائه للخيمة العملاقة بكتاني كأكبر مطعم رحمة على المستوى الوطني، هي خطوة لتشجيع وتحفيز العمل التطوعي، وقيم الرحمة، وتشجيع المتطوعين الشباب، الذين يقدمون خدمة للغير دون مقابل.
وقال إن على أصحاب مطاعم الرحمة، أن يقدموا الوجبات لزبائنهم بكراكة وفي أجواء الروح الجماعية، حيث يجب أن يحرص هؤلاء حسبه، على أن تكون مطاعمهم المحطات التي تلتقي فيها القيم والعمليات التطوعية والانسجام الجماعي، والقيادات الجماعات لاستقطاب مختلف شرائح المجتمع…
وأوضح أن عمل المرصد الوطني للمجتمع المدني، هو المرافقة والملاحظة لنشاط الجمعيات وخاصة في إطار العمل التطوعي والخير الذي لا يجب أن يكون مربوطا فقط بالإطعام.
ويرى أن ما وقف عليه في الخيمة العملاقة بباب الوادي، رسالة قوية لتشجيع وتحفيز ودعم العمل الخيري ودعوى إلى التواصل المعنوي والشراكة مع مختلف القطاعات الحكومية.
وفي ذات السياق، أوضحت رئيسة جمعية أمل “هوب دي زاد”، مريم لعربي، أن مطعمها، يتسع لـ 1200 شخص واستقبل في أول يوم رمضان 900 شخص، ولكن يحتاج إلى مزيد من المحسنين، حيث إن شركة “موبيليس” الراعي الذهبي الذي يضمن هذه المرة تمويل المطعم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!