-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مطالبون بالأعمال أم بالنتائج؟ 1/2

التهامي مجوري
  • 667
  • 0
مطالبون بالأعمال أم بالنتائج؟ 1/2

من بين الإشكالات التي عشتها وأبناء جيلي من المهتمين بالشأن العام هي: هل نحن مطالبون بالأعمال فحسب؟ أم نحن مطالبون أيضا بتحصيص النتائج التب نهد إليها، بحكم ان الثقافة الجارية في المجتمع أن من يهتم بالشأن العام عليه أن يعمل؛ لأن النجاحات تتحقق بالتضحيات!!

مما جعلنا نطمئن وتضامن مع التضحيات البطولات أكثر من التفكير مما ينبغي أن تكون عليه النتائج المفترضة لتلك التضحيات الكبرى!!

وهذا الإشكال لم يستطع التغلب عليه الكثير منا، وإلى اليوم لا يزال الكثير من المهتمين بالشأن العام، تسيطر عليه هذه الفكر، بسبب ضغط ثقافة المجتمع السائدة كما أسلفنا.

ومن إبداعات الفكر الماركسي أنه يؤكد على ضرورة وجود جهاز للنقد إلى جانب بناء فكرة المشروع المراد إنجازه، فكل عمل يراد إنجازه لا بد من أن يكون مصحوبا بجهاز تقييم ونقد لمتابعة مراحل الإنجاز، وذلك فيما يعرف بـ”النقد الذاتي”، وهو ما يعرف في ثقاتنا الإسلامية بمحاسبة النفس، ولكن الفرق بين السابق واللاحق، أن السابق جعلها مسؤولية فردية بحيث كل واحد مسؤول على تقييم فعله يوميا أو أسبوعيا أو شهريا أو سنويا، بينما اللاحق نقل هذه العملية إلى المؤسسات، بحيث تكون المسؤولية ملقاة على عاتق المؤسسات، أما الأفراد فمسؤولياتهم منحصرة فيما تقرره المؤسسات، ومن ثم تتحرر مما يفعل الأفراد، وربما لا تظهر مسؤولتها في ذلك، باعتبار أن ذلك يعتبر من الحريات الفردية وليس من المسؤليات، التي تهتم بها المؤسسات.

وجدل مسؤوليات الأفراد والمؤسسات في المجتمعات، قديم بقدم البحث في هذا الموضوع، الذي كان ولا يزال يتساءل الباحثون فيه: أي الأمرين أولى بالاهتمام الفرد أم المجتمع؟ فالفلاسفة يرون ان الفرد هو الأصل؛ لأن المجتمع متكون من مجموع الأفراد، أما علماء الإجتماع فيرون أن المجتمع هو الأصل؛ لأن الفرد لا قيمة له بمفرده، ولا تتشكل طبيعته الإنسانية، إلا عندما يندمج في الجماعة، ولذلك قيل إن الإنسان اجتماعي بالطبع، أو مدني بالطبع.

وذِكْرنا لهذين النموذجين في عملية المحاسبة والنقد والتقييم، ليس المقصود به المقارنة بينهما، أو الوصول إلى رأي وموقف نهائي حاسم في ذلك، وإنما غايتنا إبراز هذا الجانب في حياتنا الاجتماعية وأهميته…، وما يتطلب من استعدادات ضرورية في كل عملية اجتماعية يراد لها النجاح، حيث لا يمكن التفكير في نجاح موضوع ما، إلا إذا خضع لعملية النقد والتقييم في كل مرحلة من مراحل النشاط…، وكل ذلك انطلاقا من تحديد غاية معينة وتوفير شروط تحقيق هذه الغاية، سواء تعلق الأمر بفرد أو بمجتمع ومؤسسات، من ذلك الشرط الأساس في الفعل ذاته، الذي ينبغي أن يكون قابلا للقياس كما يقول خبراء التسيير، أي يكون قابلا للتحقق في مدة محددة، بحيث إذا لم يتحقق في المدة المحددة، يتقرر أن هناك خلل ما في جانب من جوانبه، ومن ثم تكون المحاسبة والمراجعة.

ورغم وضوح هذه الفكرة، فإن قانون “نحن مطالبون بالعمل ولسنا مطالبين بالنتائج!!“.

وهذه عبارة -كانت ولا تزال- متداولة في أوساط واسعة فيما بين الكثير من أهل الخطاب الإصلاحي في العالم الإسلامي خلال القرن العشرين وإلى اليوم، “المسلمون مطالبون بالعمل وليسوا مطالبين بالنتائج”، أي أن المطلوب منهم هو العمل، بأن يناضلوا ويفعلوا الخير ويصوموا ويصلوا، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وليسوا مطابين بالنظر في نتائج ذلك، فإن حصلت النتائج المرجوة وتحققت فبها ونعمت، وإن لم تتحقق فليسوا مسؤولين عن ذلك، لكونهم قاموا بما عليهم، والأمر بيد الله إن شاء كان وإن لم يشأ لم يكن!!

وهذا المعنى يبدو في مجمله معقول؛ لأن الذي يحقق النتائج هو الله، من حيث ان الإنسان مطالب بأن يفعل ما طلب منه ليحقق الرضوان الإلهي، أما النتائج فيجريها الله سبحانه على أيد هؤلاء او أولئك.

وما يدعم هذا الموقف ويؤيده هو التوجه التعبدي في القيام بالأعمال، في أوساط المجتمع المسلم الذي يرى كل أعماله عبادة، والعبادة تهدف بالأساس إلى تحقيق الرضوان الإلهي، ومن ثم يكون التفكير في طلب هذا الرضوان بالتركيز على القيام بالفعل، بقطع النظر عن تحقيقه للمطلوب من الفعل، الذي هو مرضاة الله التي لا ترى ولا تلمس في هذه الدنيا، وذلك يتحقق لكل من توجه إلى الله بفعله، وسيجازيه يوم القيامة بحسب ذلك التوجه؛ لأن إصابة الهدف منحصرة في إطاعة الله فيما أمر ونهى، وهذا حق لأن الجزاء الإلهي مرتبط بالتضحيات التي يقوم بها الفرد أو المجموعة، وليس بتحقيق المطلوب من الفعل؛ لأن تحقيق نتائج الفعل له مستوى آخر، إذ يحتاج إلى مشاركة أكثر من جهة…، إذ الفعل الواحد قد لا يحقق المطلوب بأعماله إلا إذا دعمت بأعمال أخرى يقوم بها غيره.

وهذا ينطبق على الأمور التعبدية المحضة، التي تكون فيها الغاية هي العمل وليس شيئا آخر، وإذا كان هناك شيء آخر لا يكون بالأصالة وإنما يكون بالتبع كما في مثل قوله تعالى (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت 45]، فأداء الصلاة هو الفعل المطلوب لذاته وليس بما يحقق من فضائل أخرى وهو الأصل، أما كون هذه الصلاة نهت عن الفحشاء والمنكر فأمر آخر يكون بالتبع. وهذا القدل يمكن اعتباره أعمالا لها علاقة بالله سبحانه.

أما فيما عدا العبادات، فإن هناك أعمال أخرى مجالها العلاقة مع الكون والحياة والمحيط الإنساني، وهي أعمال مبنية على التعليل وتحقيق المصالح ودرء المفاسد، ومن ثم فالقيام بها من أجل تحقيق مصالح ودرء مفاسد، وليس لمجرد الفعل كما هو مطلوب في العبادات التي الغاية منها القيام بما أمر الله به.

فهل إذا لم تحقق هذه الأعمال المطلوب من فعل ما، يعني أن الأمر انتهى، ولسنا مطالبين باكثر من ذلك؟ أم لا بد من البحث في موانع تحقيق هذا المطلوب؟ أهي موانع بسبب العجز؟ أم بسبب التقصير؟ ام بسبب الجهل؟ أم بسبب الشعور بالرضى الإلهي؟ إذ لا يمكن أن نقيم أعمالا مبناها على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، ولا تحقق غاياتها ولا ترى آثارها، إلا لسبب معين أو بخلل ما وقع في العملية، سواء في العامل نفسه، أو في تصور العملية، أو في الوسائل المستعملة في تحقيق ذلك…

يتبع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!