-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

 معادلة العادة والعبادة

عمار يزلي
  • 301
  • 0
 معادلة العادة والعبادة

الصوم، مثله مثل باقي أركان الإسلام الخمسة، خضع منذ فرضها مع البعثة النبوية الشريفة، لعدة تأثيرات منذ قرابة 14 قرنا ونصف قرن، ولا تزال وستبقى وهذا بسبب التغيرات التي حدثت وتحدث ضمن بنية المجتمع المسلم المتأثر والمؤثِّر أيضا في المحيط والفضاء العالمي الثقافي والاقتصادي والاجتماعي بشكل عامّ.

هناك أسسٌ في التغير: الأسس المبنية على الثوابت، والأساسات المبنية على المتغيرات. الأسس المبنية على الثوابت تبقى ثابتة حتى مع التغير، وكما يقول فلاسفة التغير وعلى رأسهم “هيراقليط”: “كل شيء يتغير إلا التغير فإنه لا يتغير”. الثابت في كل الأركان وفي العقيدة بشكل عامّ هي تلك الصلة بين العبد وربِّه وطريقة التعامل مع الغير التي نسميها “المعاملات” أو “فقه المعاملات” كالإحسان والعدل والوفاء والإخلاص والأمانة مع الإيمان والتوحيد والقيام بالفرائض وإتّباع السنة النبوية الشريفة التي هي ترجمة عملية للقرآن الكريم. وهنا ندخل في المتغير من “الدين” والذي يكمن في المعاملات. جوهر المعاملات مضبوط شرعا بعلاقة الذات الفردية بالذات الإلهية، أي بالإيمان وليس حتى بالإسلام، باعتبار الإيمان أعلى مرتبة من الإسلام التي هي “القسم الابتدائي الأول” في سلّم الارتقاء الروحي.

عموما، نجد هذه الظاهرة ملازمة لكل الأديان السماوية، وعامل الزمن والمكان الذي يلعب دورا أساسا في التغيير والتغير سواء على صعيد الممارسات أو احتواء الثقافات والعادات والتقاليد وإخضاعها للتحولات أو تركها والأخذ بغيرها والتي تكون أقرب للفرد والجماعة من الواقع المادي الملموس المتغير باستمرار: هذا الواقع المادي الذي ينزع نحو سحب الروحية الراغبة في الارتقاء نحو الأرض وبقائها مادية، فيما تنزع الروحية التي هي عمدة الجسد والدين نحو السماء والارتقاء: هناك إذن تنازع في الأهواء وهو الذي يجعل الفرد ضمن أي دين أو عقيدة، يخضع لهذا التجاذب القطبي: علوّا ودنوّا.

العبادة تتمثّل في ذلك الدفع الروحي نحو التسامي عن المادة، أو عن اللون الأحمر في ألوان الطيف السبعة والتي هي أدنى الألوان والرامزة إلى القوة والنشاط والشهوة وما دون الأشعَّة الحمراء التي تحيل على “الدونية” أو ما يسمى بـ”السُّفلية” في مقابل “العُلوية”، باتجاه اللون البنفسجي الذي يحيل إلى التسامي الروحي باتجاه ما فوق البنفسجي من اهتزازات روحية سامية علوية. ليس كل مسلم قابلا للسموّ سريعا نحو الإيمان ومنه نحو الإحسان، فقليل هم في درجة مستوى الإحسان، لأنهم الخاصية أو النخبة الصالحة، لكن كل مسلم مؤهَّلٌ عمليا للتطور والتغير بحسب اختياراته وسلوكه واقتناعه في “ترويح” النفس عوض “تمديتها”، أي النزوع نحو الروحية المتسامية عوض النزوع نحو المادية “الهبوطية”: الهبوطية هنا من “الهبوط” في القرآن الكريم عوض “النزول”، إذ يكون الهبوط من “مكانة”، فيما النزول يكون من مكان، والآية “اهبطوا مصرا فإن لكم فيها ما سألتهم” توضِّح ذلك لنزوع بني إسرائيل إلى السُّفلية والدونية عوض التسامي، بمطالبتهم موسى بالعودة إلى مصر، للتمتع بما تنبت الأرض من قِثَّائها وفومها وعدسها وبصلها، بعد أن منَّ الله عليهم سنوات التيه الأربعين بالمنِّ والسلوى والتي هي أكلاتٌ سامية عُلوية: المنّ، وهي سكريات تنزل من السماء على الأرض والأشجار في شكل مسحوق أبيض، مصحوبة بالبروتينات المتمثلة في السلوى الذي هو طائرُ السمان الذي كان يعيش بكثرة في صحراء سيناء والسهل صيده ليلا من دون عناء.

العادة، هي أسهلُ طريق للحفاظ على الموروث القديم المادي الملموس خاصة ومنها رابط التقليد “إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون”، فيما العبادة، تفعيلٌ للتسامي عن الماديات الوضعية المتغيرة وهذا هو سرُّ المعادلة اليوم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!