-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

معارك‭ ‬وهمية‭ ‬لتغطية‭ ‬الفراغ‭ ‬السياسي

عابد شارف
  • 4789
  • 5
معارك‭ ‬وهمية‭ ‬لتغطية‭ ‬الفراغ‭ ‬السياسي

معركة‭ ‬الداحس‭ ‬والغبراء‭ ‬تتواصل‭ ‬داخل‭ ‬جبهة‭ ‬التحرير‭… ‬إنها‭ ‬معركة‭ ‬الطاحونات‭ ‬التي‭ ‬تغطي‭ ‬انهيار‭ ‬المؤسسات‭ ‬غياب‭ ‬المبادرة‭ ‬السياسية.

كانت الصور قوية جدا… إنها الصور التي نشرتها الصحافة عن المواجهات التي دارت نهاية الأسبوع الماضي بين أعضاء اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني. ومن خلال ما جاء في الصحف، تأكد الجزائريون أن جبهة التحرير الوطني اخترعت طريقة جديدة في الفصل في النزاعات السياسية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬المواجهات‭ ‬العنيفة‭ ‬طريقة‭ ‬عادية‭ ‬لاختيار‭ ‬قادة‭ ‬الحزب‭ ‬وتحديد‭ ‬منهجه‭ ‬السياسي‭.‬

ودائما حسب ما نشرته الصحف، تكون جبهة التحرير قد دخلت عهدا جديدا في البحث عن الحلفاء والمساندين. فقد أشارت إحدى الصور إلى أن أحد المشاركين في المواجهات هو ابن السيد عبد العزيز بلخادم، الأمين العام للحزب. وبذلك تدخل العائلة والعشيرة والقبيلة في صفوف الحزب بقوة،‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬هذه‭ ‬المواجهات‭ ‬إلى‭ ‬مواصلة‭ ‬الانحراف‭ ‬السياسي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬أشهر‭ ‬حزب‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وهو‭ ‬الحزب‭ ‬الذي‭ ‬قيل‭ ‬عنه‭ ‬إنه‭ ‬حقق‭ ‬انتصارا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬الأخيرة‭.‬

وقد احتل ما يحدث في جبهة التحرير الصدارة السياسية في البلاد منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 ماي الماضي. وفرضت أسئلة متعلقة بجبهة التحرير، نفسها في الساحة السياسية: هل سيبقى السيد بلخادم على رأس الحزب أم لا؟ وكان الغاضبون على عبد العزبز بلخادم يعطون يوميا وعودا صارمة أنهم سيطيحون به ويقضون على عرشه، بينما كان أنصاره يؤكدون أنه يتحكم في زمام الأمور، وأنه يحظى بمساندة السلطة الحقيقية وبثقة أهل الحل والربط في البلاد. وتتواصل اللعبة لحد الساعة على شكل آخر، حيث يعطي السيد بلخادم وعودا بالقضاء على خصومه وطردهم‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬بعدما‭ ‬استعاد‭ ‬سلطته،‭ ‬وأنه‭ ‬لن‭ ‬يتسامح‭ ‬مع‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬أرادوا‭ ‬أن‭ ‬يخرجوه‭ ‬من‭ ‬اللعبة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تستعد‭ ‬البلاد‭ ‬لتنظيم‭ ‬خلافة‭ ‬السيد‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬بوتفليقة‭.‬

كل هذه “الخلوطة”، بطبيعة الحال، لا تنفع البلاد ولا سياسيتها ولا صورتها، خاصة وأن الجزائر تستعد لإحياء الذكرى الخمسين للاستقلال، وأن جبهة التحرير كانت أشهر رمز في الحرب التحريرية. لكن، لماذا تواصلت هذه المهزلة، ولماذا وصلت إلى هذا الحد؟ هل كان الهدف منها فقط التأكيد على ضعف الأحزاب؟ هل كانت تهدف إلى تلويث صورة جبهة التحرير بعد أن فاز الحزب في الانتخابات التشريعية؟ أم هل كان الهدف تدنيس رمز جبهة التحرير الوطني عشية الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال؟

والحقيقة إن ما يحدث في صفوف جبهة التحرير كان عاملا أساسيا لينسى الجزائريون الانحرافات الخطيرة التي تعيشها البلاد، مع مؤسسات مشلولة، ورئيس غائب، ورئيس حكومة منتهي، وحكومة مسكينة لا تعرف هل هي موجودة أم لا. والحقيقة أن الكلام عن عبد العزيز بلخادم يغطي عبد العزيز بوتفليقة… والتهجم على بلخادم يغطي واقعا آخر، وهو أن رئيس الجمهورية لم يقم بأية مبادرة تذكر منذ خطابه يوم 8 ماي، عشية الانتخابات. ولم يقم السيد بوتفليقة بأي عمل يلفت الانتباه رغم الملفات العاجلة المطروحة على الساحة السياسية، ورغم المحيط الدولي الصعب،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬والأزمة‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬الحدود‭ ‬الجنوبية‭ ‬للبلاد‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬أزمة‭ ‬مالي‭.‬

وكان من المنتظر أن يقوم رئيس الجمهورية بسلسلة من المبادرات، بصفته حامي الدستور والمؤسسات. كان من المنتظر أن يعين رئيس حكومة يتلاءم أكثر مع نتائج الانتخابات التشريعية، وأن يضع حدا لمهام الوزراء الذين اختاروا البرلمان، وأن يعين من يخلفهم في الحكومة، وأن يفصل‭ ‬في‭ ‬مصير‭ ‬الوزراء‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬لأحزاب‭ ‬قررت‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الحكومة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬العالقة‭.‬

أما السيد أويحيى، فإنه لا يعرف هل أنه مازال رئيس حكومة أم لا، وهل سيبقى في منصبه، وإلى متى؟ وإذا بقي في المنصب، فإن فشله في الانتخابات يجعل منه رئيس حكومة ضعيفا جدا، ولا نعرف كيف سيتعامل مع وزراء جبهة التحرير الذين هزموه في الانتخابات. وقد كان السيد أويحيى‭ ‬نفسه‭ ‬يشك‭ ‬في‭ ‬بقائه‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الحكومة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬تصريحات‭ ‬غير‭ ‬معتادة،‭ ‬لكنه‭ ‬تراجع‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬والتزم‭ ‬الصمت‭.‬

كل هذه المعطيات تشير إلى أن السلطة معطلة في البلاد، وأن المؤسسات في عطلة. وسيزداد الوضع تعقيدا مع فصل الصيف وشهر رمضان، حيث تدخل البلاد تقليديا في هذه الفترة مرحلة من النوم لا تنتهي إلا في أكتوبر. وفي مثل هذا الوضع، لما تموت الحياة السياسية، وتنام المؤسسات،‭ ‬ويقتصر‭ ‬النقاش‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬تموين‭ ‬السوق‭ ‬بالبطاطا،‭ ‬فإن‭ ‬البلاد‭ ‬ترحب‭ ‬بكل‭ ‬مهرج،‭ ‬وبكل‭ ‬معركة‭ ‬ضد‭ ‬الطاحونات،‭ ‬لأنها‭ ‬توحي‭ ‬أن‭ ‬البلاد‭ ‬مازالت‭ ‬تتمتع‭ ‬بمؤسسات‭ ‬وتنعم‭ ‬بحياة‭ ‬سياسية‭ ‬عادية‭.‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • بير خادم

    ارجوا قراءة هاذ المقال بالفرنسية....ليس دفاعا عن بيرخادم أو الأفة و لكن اظهارا للحقيقة و فقط .
    http://www.dna-algerie.com/interieure/le-fils-de-belkhadem-ce-voyou-qui-gifle-un-opposant-a-papa-histoire-d-un-vrai-faux-cliche-2

  • ahmedabdelbaki

    فأين تصطفون أنتم يا من كنتم بنزينا اشعل البلاد طولا وعرضا بحثا عن يوتوبيا تلاشت في الثمانينات المتاخرة ..هذا هو التحدي الجديد يا سي شارف .

  • mahdi

    السيد عابد لماذا توقفت حصة في قناة الليل عفوا النهار يوم 14/06/2012 أنت والسيد عبد العالي .لماذا يخافون الحقيقة وحرية الرأي الأخر . وكل ما قلته صحيح .. اليتيمة أفضل من النهار

  • عمر التلمساني

    شكرا على هذا التنوير يا أستاذ شارف.

  • معروف

    احلم ان استيقض يوما فاجد ان المجلس الوطني قد صادق علي اوامر قانونية برفع يد الدولة عن الاراضي وسمحت لكل بلدية ان تعمل من اجل توفير تجزيات أرضية للبنا وبدون قيود تذكر وتوضع تحت تصرف من أراد من المواطنين او المقاولين وتكون مرجعية أثمانها محددة بالنظر الي الحد الأدنى للأجور .كما وضعت اليات لإلغاء كل اشكال الاحتكار في البلاد .وتم الاستغناء علي الطلب علي المبالغة في طلب الاوراق.ولتعلن اولا تعين الحكومة هذا لا يهم بصراحة!!!