-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

معاملة الحيوانات

حسين لقرع
  • 2025
  • 0
معاملة الحيوانات

عندما كان العربُ منشغلين بمتابعة وقائع مناقشة قرار الأمم المتحدة برفع العلم الفلسطيني على مقرّها العام ومكاتبها، وكأنه إنجازٌ تاريخي عظيم، كانت مواقع التواصل الاجتماعي تتداول صوراً التقطتها متطوّعة نمساوية للشرطة المجرية وهي تلقي أكياس السندويتشات على اللاجئين السوريين وكأن الأمر يتعلق بإطعام حيوانات داخل قفص وليس ببشر لهم كرامة إنسانية كان ينبغي مراعاتها.

هي صورٌ جديدة أخرى تضاف إلى صور الطفل الغريق إيلان وتلك الصحُفية المصوّرة المجرية التي عرقلت برجْلها أباً كان يحمل طفله، ورجال الشرطة المجرية وهم يطاردون اللاجئين بالهراوات وينهالون عليهم بالضرب والإهانة…

ولا شك أن هذه الصور المؤلمة هي مجرد غيض من فيض، فما لم تلتقطه كاميرات الهواتف المحمولة سرا من الإهانات الجارحة للكرامة الإنسانية أدهى وأمرّ، ولكن الغريب أنه في الوقت الذي تتحرك فيه دول الاتحاد الأوربي وأمريكا اللاتينية وأستراليا والولايات المتحدة لإيواء اللاجئين، فإن كل الصور المأساوية التي شاهدها المسؤولون العرب إلى الآن لم تحرّك فيهم شعرة واحدة ولم يعلنوا فتحَ أراضيهم للاجئين السوريين لينزلوا عليهم ضيوفا مكرمين تفاديا للإهانات في المجر، وتتساوى في ذلك الدولُ العربية الغنية والفقيرة باستثناء السودان التي تستقبل السوريين وتعاملهم كمواطنين لا كلاجئين، في حين تلتزم الدولُ الخليجية صمت القبور إزاء المسألة وكأنها لا تعنيها برغم أنها جزءٌ من المشكلة بدعمها غير المحدود للمعارضة المسلحة وعرقلتها لتسويةٍ سلمية للأزمة، بل إن أحد الكتاب الخليجيين برّر عدم استقبال اللاجئين السوريين بارتفاع المستوى المعيشي في بلدان الخليج، وبإصابة اللاجئين باضطرابات نفسية وعصبية بفعل الحرب، ما ينعكس سلباً على الخليجيين!

كل هذا الحجم من الإهانات الجارحة من ذوي القربى قبل المجريين وغيرهم، كان ينبغي أن يوقظ ضمائر الطرفين المتحاربين في سوريا ويدفعهما إلى التوقف عن جنونهما، والدخول في مفاوضات مستمرّة لا تتوقف إلاّ حين يتوصل الطرفان إلى تسوية تضع حدا لهذه الحرب العبثية الطاحنة التي ألحقت بالشعب السوري أكبر مأساة إنسانية في القرن الواحد والعشرين.

في صيف عام 1962، كان جيشُ الحدود الذي دخل به بومدين إلى الجزائر العاصمة، على وشك الصدام المسلح مع جيش الداخل الذي كان يأتمر بأمر الحكومة المؤقتة، لكن نساء القصبة قُمن بحركةٍ ذات دلالة عميقة نزعن بها فتيل الحرب؛ إذ حملن أطفالهن فوق رقابهن وخرجن إلى الشوارع للتظاهر، وأخذن يصرخن في وجوه “جنود” الطرفين المتصارعين على الحكم، وهم مجاهدون كلهم:  سبع سنين بركات”، أي كفانا ما لقينا على أيدي الاستعمار الفرنسي من قتل وتنكيل وتدمير وإذلال طوال سنوات الثورة السبع… فكانت تلك المشاهد كافية لتجنّب الحرب الأهلية التي كانت ستقود الدولة المستقلة حديثاً إلى الخراب بعد أن تنازلت الحكومة المؤقتة عن الحكم لصالح جماعة وجدة، حفاظاً على البلد المثخَن بجراح حرب التحرير.

ما أحوج الطرفين المتصارعين في سوريا إلى الاستفادة من هذا الدرس البليغ، وما أحوج الشعب السوري الذي طحنته هذه الحرب إلى تنازل أحدهما لمصلحة وطنه قبل أن ينهار كليا، ولكن المشكلة: من يقبل بالتنازل للآخر حفاظاً على سوريا وعلى كرامة لاجئي بلده في الخارج؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • mimoun

    الشهم يموت واقفا اتعرف لمذا لم يعد الغرب او امريكا او اسرائيل تهاب العرب لانهم يكرهون الموت ويحبون الحياة اذا كان هناك من يقول غير ذالك يجب ان يشرح لي كيف لرجال اجسامهم كالبغال اعني قوة يتركون بيوتهم وبلدهم ويهجرون[ موت واقف اعلي]

  • نورالدين الجزائري

    ليعيش شعبه فوضى الطائفة المقيتة و ياريت أخذ بنصيحة بنت بلده بلقيس كما قالت على لسان القرآن {.. إن الملوك إذا دخلوا قرية افسدوها و جعلوا أعزة أهلها أذلة ..} 34 النمل لماذا ؟ لأن الشريف هو عنصر الصلاح و الإصلاح و هو جوهر فكرة المقاومة النقية الشريفة فلابد من إهانته و إماتته حيا و هذا الذي يفعلونه حتى يحكمون في ذل و هوان و سكينة و اطمئنان ! أهذه الحياة التي أريد أن أعيشهاو كنت أركل بطن أمي من أجلها ؟!
    لا تتعجب من عصفور يهرب و أنت تقترب منه في يدك فتات من طعام فالطيور عكس بعض البشر تؤمن بأن الحريةغ

  • نورالدين الجزائري

    عقلناه و مَن سكت مات غما ! و هذه الصورة في إهانة المسلمين من الأروربيين كفيلة لتلخص لنا السنين العجاف في إنحناء الرأس للمخلوق المتجبر الذي لا يفقه من العزة إلا صوت حروفها و من الكرامة طعام و شراب فقط ، و كيف له و هو الذي أخذ الحكم عنوة و ظلما و تزويرا فقد أهان نفسه من أجل كرسي هو ضريح حكام العرب ! نعم ! ربوا فينا الذلة و أفقدونا العزة بسياسة تبطش بلا حق و لا عدل . أنظروا إلى اليمن و إلى أين وصل !؟ منذ تولي عبد الله صالح الحكم العجاف لم يرد بتاتا بسلام تركه ـ ضريحه ـ يستبدل الشعب و لا يتغير نعشه

  • نورالدين الجزائري

    كحافري القبور يسعدون بشقاء الأخرين !
    سألت نفسي دوما لماذا نحن الذي يُذل و يهان ؟ هذه الصورة ماهي إلا خاتمة فيلم حياة صوّرت أحداثه في بلدان العربان فيه كرامة المرء تهان و عزته تُذل . لأن ماسك الحكم و الملك قام على أنقاض ملك غيره سبقه في إذلال الناس لأن مَن كان همه الحكم لابد عليه أن ينهب ما يستطيع و يخرب كل جميل مخافة ـ هذا الجميل ـ أن يأخذ السلطة منه حقا جزاء وفقا . يولد البشر أحرار أعزهم خالقهم بالقيّم ، فبمجرد دخول هذا الإنسان المدرسة يلاقي سوط المسطرة ليعيش طول حياته يُلقن أبجديات : مَن تكلم

  • الطيب

    هذه المعاملة و مثلها كثير هي آليًا نتيجة منتظرة من الغير و من باب الحقيقة ليس الغرب كله سواء بل منهم من احتضن إخواننا في بيته عكس ورقة (الأخ و الجار و الصديق العربي المسلم) المزورة !! معاملة البشر مثل الحيوانات بدأت أولاً في وطن الخراب العربي ،من الذي أوصل الشعب السوري إلى أوروبا ؟ أليست معاملة الحيوانات هذه هي التي هجرتهم سواءًا أنظمة الديناصورات أو معارضة الكذب و التهوبيل ..هل هناك من يهجر و " يسمح " في وطنه هكذا و يعرض نفسه و أولاده إلى الذل و الإهانة و المخاطر ؟ أبدًا إنه الظلم و " الحقرة "