الرأي

معركة الانتقال الدستوري التي كسبها “الشعبُ وجيشه”

حبيب راشدين
  • 1448
  • 12
ح.م

أمامنا درسٌ على المباشر من الجارة تونس على ما كان ينتظر الجزائر من عبث الطبقة السياسية وبعض النخب المتعالية على العامة بنفخ سخيف، لو لم تتمسك مؤسسة الجيش بمسار الانتقال الدستوري، ونجحت على الأقل في كسب ثقة جانب من الحَراك في الجزائر العميقة، وربما ثقة القسط الأكبر من الكتلة الناخبة.

سبع سنوات مما وُصف بـ”الانتقال الديموقراطي” في تونس كانت كافية لتخريب الاقتصاد التونسي الهشّ أصلا، وهدم المؤسسات الخدمية في الصحة والتعليم، وإدخال البلد في دوامة الاستدانة الخارجية التي تستهلك خدمتُها ربع ميزانية تونس، ورهن مصير القطاع العمومي بيد الدائنين، فيما تقاسمت النخبة الحاكمة ما بقي من الريع في تغذية اقتصاد كامبرادوري فاسد، قائم على الاستيراد والاستيراد بما هو ألعن مما كانت متّهمة به العصابة المختطِفة للقرار في قصر المرادية وحكومتي سلال وأويحيى، ليبدأ صراعٌ خفي بين الفريق المختطِف للقرار برئاسة الجمهورية وقيادة الجيش.

حتى الآن لم تُكتب السطور الأولى من قصة هذا الصراع الذي قد يُؤرَّخ لبدايته منذ سنة 2015 مع ترحيل الفريق توفيق، وشروع العصابة في تغيير الطابع الجمهوري والشعبي لمؤسسات الدولة، مع فتح طريق سيار لثلة من الأوليغارك، على منوال ما فعله إيلتسين في روسيا، اصطدمت بمقاومةٍ خفيَّة من مؤسسة الجيش، قد أخرجت للعلن في حادث تعيين وإقالة رئيس الحكومة عبد المجيد تبون، ليحتدم الصراع في صيف 2018 على خلفية فضيحة الكوكايين.

وحده من تابع هذه الأحداث التي سبقت وهيَّأت الأجواء لـ22 فبراير يعلم حجم التحديات التي طُرحت على مؤسسة الجيش، التي سيُحسب لها بأمانة حسنُ إدارتها لواحدةٍ من أخطر الأزمات التي تعرَّضت لها الجزائر، قد ضاعف من خطورتها عملياتُ تطويق حدود البلد ببؤرٍ ساخنة في ليبيا وحدودنا مع دول الساحل، وإعادة تسخين جبهة الصحراء الغربية، ناهيك عن تراجع موارد الدولة وتفنُّن حكومة أويحيى في تحويل التمويل غير التقليدي إلى فرصة متجدِّدة لنهب المال العام لفائدة طغمة الأوليغارك.

مع هذه الخلفية المركّبة، يتوجب على كل منصفٍ أن يثمِّن الدور الذي لعبته مؤسسة الجيش في مرافقة الحَراك بتأمينه غير المسبوق من أي انزلاقٍ خطير نحو المواجهة كما حصل في السودان، والاستجابة المدروسة لأهمِّ مطالبه بتعطيل مسار العهدة الخامسة، ثم إحباط مسار التمديد، وأخيرا نجاحها في إفشال مخطط الانتقال خارج الدستور، الذي كانت تعوِّل عليه العصابة كفرصة لخلط الأوراق وإحباط عملية التطهير الجارية في مؤسسات الدولة، رأيناها تنجح حتى الآن في تجديد رؤوس الإدارات الكبرى، وتستكمل عملية تفكيك “دولة الدي أر أس” وتحجيم نفوذ الزمرة الفاسدة من الأوليغارك.

النجاح الأكبر الذي يُحسَب للمؤسسة بعد أن تهدأ الأمور، قد تمثَّل في حماية البلد من التدخُّل الأجنبي المباشر وغير المباشر، بفضل تمسُّك المؤسسة بالحل الدستوري، الذي أبعد عن البلد دوليا شبهة الانقلاب العسكري الذي يُتخذ عادة كذريعة للتدخل، وأنا على يقين أن الأطرف الدولية المعنية بالوضع في الجزائر، تكون قد قيَّمت بموضوعية وعقلانية الكفاءة التي أدارت بها مؤسسة الجيش حَراكا شعبيا بالملايين دون تسجيل حادثٍ دموي واحد، ودون تعطيل نشاط الكيانات الحزبية وجمعيات المجتمع المدني، وقد ساعدها السلوكُ الحضاري السلمي لأهل الحَراك في تجنيب البلد أخطار الانزلاق نحو المواجهة والصدام، ويليق بالمنصفين أخيرا تثمينُ دور رئاسة الدولة المؤقتة وحكومة بدوي وقيادة أركان الجيش، وصبر هذا الثلاثي على حجم هائل من التهجم عليهم، مع علم الرئيس وبدوي بحتمية الرحيل مع نهاية السنة، واستلام الرئيس المنتخَب لولايته بشرعية تكفلها إدارة الاستحقاق لأول مرة بهيأة مستقلة سوف تحرم الفاشلين من ستر عوراتهم بدعاوى التزوير.

مقالات ذات صلة