الرأي

معركة صفين.. لكن في “مضايا”

عندما اعتصرت الفتنة المسلمين، بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، ذهب جمع من المسلمين إلى الصحابي، سعد بن أبي وقاص، وطلبوا منه أن يقاتل في صف علي بن أبي طالب، الذي ضمّ مجموعة من المبشرين بالجنة، ومنهم بلال بن رباح وعمار بن ياسر، أو في صف معاوية بن أبي سفيان الذي ضمّ أيضا جمعا من المبشرين بالجنة، ومنهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، فردّهم وقال قولته الشهيرة: “لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان يعرف المؤمن من الكافر”، واعتزل الفتنة والناس، ولم يعتزل الحياة وفعل الخير إلى أن وافته المنية.

ونكاد نجزم ونحن نعيش ضياع عاصمتي الخلافة العباسية والخلافة الأموية، بأن الإصرار على أن نبقى نعيش في الفتن ونعطي لكل صراع بُعده الطائفي سيؤدي إلى ضياع الأمة بأكملها بعد أن ضاع جزء من التاريخ وأجزاء من الجغرافيا.

ما يحدث هذه الأيام بين المملكة العربية السعودية وإيران، من نار ودم في سوريا واليمن، على خلفية اختلاف دنيوي بحت، اندلع منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، نفهمه جميعا على أنه حرب مصالح من أجل بسط النفوذ على منطقة الخليج، ونفهم جميعا بأن المملكة العربية السعودية ليست وحدها في عدائها لإيران، وأن إيران أيضا ليست وحدها في عدائها للملكة العربية السعودية، ولكن أن يتم استخدام من يسمّون أنفسهم برجال دين من الطرفين وإعطاء صراع مصالح، فيه أمريكا وروسيا وحتى إسرائيل، بُعدا دينيا، فذاك ما يجعلنا، كمن لا يعمل لدنياه، لأنه سيموت غدا، أو كمن لا يعمل لآخرته، لأنه سيعيش أبدا.

الأمة ليست في حاجة لمن يزعم بأنه ينتصر لعلي وللحسين وأهل البيت، أو للسيدتين عائشة وحفصة والخليفتين أبو بكر وعمر، بدفع الأطفال لشواء القطط والأمهات لعلف الحشيش 

طعاما حتى لا يموتوا، أمام أنظار العالم بأسره، والأمة ليست في حاجة لقتل مسلم واحد من أجل الزعم بنصرة صحابي استشهد منذ أربعة عشرة قرنا، والذين يدّعون بأن معركة الجمل أو صفين التي تلتها بعد سنة على الحدود بين سوريا والعراق، إنما أمر بسيط، مخطئون، لأن المؤرخين من كل المذاهب تحدثوا عن وفاة سبعين ألفا في تسعة أيام من معركة صفين، غالبيتهم من الصحابة، في نار فتنة، كان المطلب الأول فيها وربما الوحيد هو الدنيا.

شهد التاريخ فتنا ظن كثيرون بأنها لن تنطفئ أبدا، من الحرب اليابانية الصينية في ثلاثينات القرن الماضي، إلى فتن أتت على الأخضر في بلدان أمريكا الوسطى من نيكاراغوا إلى السلفادور، في سبعينات القرن الماضي، وانتهاء بحرب باردة، التهبت نارا في دول أوروبا الشرقية في ثمانينات القرن الماضي، ولكنها جميعا انطفأت، وانطلقت شعوبها لصناعة الحياة، إلا في أمة شعارها “إن هذه أمتكم أمة واحدة” و”من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا”، في حلقات دم، عبر مشاهد واقعية، في بغداد وبيروت والقاهرة وبنغازي وصنعاء و…”مضايا”. 

مقالات ذات صلة