الرأي

معهد باستور.. فضحنا 

عبد الناصر بن عيسى
  • 17755
  • 30
ح.م

كيف نفسِّر مرور قرابة ستين سنة عن الاستقلال، ومازلنا نملك مختبرا طبيا وحيدا بناه “الاستدمار البغيض” في سنة 1894، وعبره فقط، يمكننا معرفة حالتنا الصحية مع الوباء القاتل كورونا الذي دمّر الجارة المتوسطية إيطاليا؟

ألم يمرّ على الجزائر ثمانية رؤساء وقرابة مائة وزير صحة، وآلاف البرلمانيين والساسة والملايين من الذين صنفوا أنفسهم ضمن الشعب العظيم، الذي قهر فرنسا وبنى دولته من ثورته الزراعية والصناعية إلى التعليم الأساسي ووصولا إلى العزة والكرامة؟

كيف نفسر تفتّح شهيتنا لاحتضان عواصم الثقافة من عربية وإسلامية وسنة جزائرية في فرنسا، وحتى ألعاب متوسطية في وهران، ولا نلتفت لبناء مختبر ولو توأم لما بنته فرنسا على أرضنا منذ قرابة قرن ونصف؟

سافر هواري بومدين للعلاج في الاتحاد السوفياتي، وكان الشاذلي بن جديد يقوم بفحوصاته في بلجيكا، وسار على نهجه اليمين زروال، وسكن عبد العزيز بوتفليقة منذ 2005 في مستشفى فال دوغراس العسكري في باريس، ومع ذلك لا أحد فكر في مختبر صغير يقفز به عما ورثه من “المستدمر الغاشم”، ومستشفى عصري يداوي فيه أسقامه، حتى ولو يذهب الشعب إلى الجحيم.

أنفقت الجزائر قرابة ألف مليار دولار في العقدين الماضيين، وأنفقت آلاف المليارات من الدولارات قبل عهد بوتفليقة وستنفق ما بعد عهده، فكانت في كل مرَّة توجع رأسنا بمشاريع القرن التي تدهش العالم، ومرّ القرن وبقي ما بُني منذ قرن من “المستدمر الغاشم” وحده من يقيس حالتنا الآن مع الفيروس المرعب كورونا.

لم يتغيَّر معهد باستور بالجزائر العاصمة قطّ، فكلما ارتفعت حمى مواطن في تبسة أو تلمسان أو تيزي وزو أو تمنراست، امتد فكرُه نحو معهد باستور بالعاصمة بعد أن سافرت التحاليل التي أجريت عليه برا أو جوا، لمعرفة النتيجة.

لقد أبان وباء كورونا 2020 أننا نعيش بإمكانات وباء الملاريا 1896، ويؤلمنا عندما نعرف بأن الطبيب الفرنسي ألفانس لافران الحاصل على جائزة نوبل في الطب في سنة 1907 كان يقوم بالتحاليل في أبحاثه على الأمراض الوبائية في معهد باستور في دالي براهيم، التي تعدُّ أول قرية بنتها فرنسا وبنت فيها أول كنيسة كاثوليكية.

ظل كل عابر من قادة الجزائر ينظر سطحيا إلى معهد باستور، فقام بومدين بتأميمه بعد أن كان تابعا لمعهد باستور في باريس، وغيّر الشاذلي مهامه من الأبحاث إلى فرع جامعي للاستهلاك، وحوّله بوتفليقة إلى مركز لاستيراد لقاحات الحج والحمى، ومنها فضيحة استيراد خمسة ملايين جرعة مضادّة لوباء أنفلونزا الخنازير بمبلغ عشرين مليون دولار، كان مصيرها الحرق، من دون متابعة للمتورطين في هذه الفضيحة التي حدثت في 2011.

لا ندري كيف يمكننا أن نحتفل بأعياد الاستقلال والشهيد ومختلف الثورات الجزائرية، وكلنا نعلم بأن المستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة الأكبر في الشرق أنجز في سنة 1864، ومستشفى وهران الجامعي الأكبر في الغرب أنجز في سنة 1877، ومستشفى مصطفى باشا بالعاصمة الأهم في البلاد، أنجز في سنة 1854 ومعهد باستور الذي يقيس حرارتنا مع كورونا بزغ نوره سنة 1894؟

مقالات ذات صلة