-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في كواليس التاريخ

مع الشيخ محمد الطاهر فضلاء (1/2)

محمد عباس
  • 10573
  • 1
مع الشيخ محمد الطاهر فضلاء (1/2)

هناك عائلات من الحركة الإصلاحية بارك الله فيها للجزائر مثل أبناء الشيخ محمد السعيد أبهلول الورثيلاني، وهم على التوالي الحسن ومحمد الطاهر وعبد المالك فضلاء.

ـ فالحسن (من مواليد 1914) من أقطاب التعليم الحر ومدارس جمعية العلماء، وقد ترك لنا عدة مؤلفات تؤرخ للكفاح التربوي عبر التعريف بالعديد من رجالاته.

ـ ومحمد الطاهر (1918) من أقطاب الكفاح الإصلاحي الميداني على عدة جبهات: الكشافة، المدرسة، الآداب، التاريخ.

ـ وعبد المالك (1920) المربي الإصلاحي والمناضل الوطني الذي اغتيل غدرا بالجزائر العاصمة إثر اعتقاله في 12 يوليو 1957 وقد جاء العاصمة يومئذ للمشاركة في لجنة امتحان الشهادة الابتدائية بمدرسة التهذيب..

 في هذه العجالة ارتأينا أن نفرد بالحديث أحد أبناء هذه العائلة الطيبة، وهو شيخنا المناضل الإصلاحي الصادق والعنيد محمد الطاهر فضلاء بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيله في (19 يوليو 2005)، بعد أن أتاح لنا ذلك ابنه الممثل القدير باديس فضلاء الذي بادر مشكورا بإصدار شذرات من عطاء والده العزيز، تحت عنوان “من آثار الأستاذ محمد الطاهر فضلاء”(*).

 ولد الشيخ محمد الطاهر في 30 مارس 1918 بقرية تَنْبِذار (بني منصور ـ بجاية) وقد أخذ عن والده الشيخ محمد السعيد أبهلول مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم قبل أن تتوسع مداركه لاستيعاب ما تيسر من مبادئ اللغة العربية ومبادئ الفقه كذلك.

وفي السادسة عشرة من عمره بدأ يتمرس بالتعليم، عبر مدرسة الهداية التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، غير أن طموحه أبى عليه إلا أن يلتحق في السنة الموالية (1935) بقسنطينة لاستكمال دراسته على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس، وبعض مساعديه أمثال الجيلالي الفارسي وبالقاسم الزغداني.

 وقد أثار الشاب محمد الطاهر اهتمام الشيخ الإمام الذي أسر بشأنه إلى سنده الأول الشيخ البشير الإبراهيمي قائلا: “تلميذ ناشئ، لكنه يتوقد غيرة على اللغة العربية وآدابها، ولئن داوم على الدراسة ليكونن منه خير كبير”.

وابتداء من 1937 خرج هذا الشاب الطموح الى الحياة العامة، معززا سلك التربية لجمعية العلماء مدرسا ثم مديرا، وقد استمر مشواره التعليمي حتى سنة 1946.

ولم يحد انشغاله التربوي من اهتمامه الأدبي، إذ كان إلى جانب التدريب يخوض مع الخائضين في حقول الشعر والقصة القصيرة والمقالة الصحفية، قبل أن يتفرغ للنشاط التربوي العام عبر نافذتي الكشافة والمسرح.

ففي الشعر ترك لنا ديوانا بعنوان “السحر الحلال”، وتضمن كتابه “من آثار الأستاذ” نماذج من القصص القصيرة، مثل “رائد القافلة” وهي قصة رمزية بطلها الشيخ ابن باديس وأصحابه في قافلة الإصلاح الديني والتربوي، وترك لنا كذلك العديد من المقالات الصحفية التي تتضمن تعريفا وافيا بعدد من رحالات الإصلاح داخل الجزائر وخارجها، نذكر منهم على سبيل المثال الطيب العقبي، والفضيل الورثيلاني، والأمين العمودي، وإسماعيل العربي، ومحمد الغزالي وعمر بهاء الدين الأميري.

 

عندما ظلمت “المجاهد” الشيخ فضلاء

وعلى صعيد النشاط التربوي العام، ساهم سنة 1940 في تأسيس فوج “المُنى” للكافشة بحي المقرية (ليفيي سابقا)، قبل أن يساهم لاحقا في تأسيس فوج “الرجاء”.

غير أن المسرح ما لبث أن استحوذ على القسط الأكبر من نشاط هذا الرجل متعدد المواهب، فقد مارس تأليفا وتمثيلا وتكوينا واعلاما، فقد ألف واقتبس العديد من المسرحيات نذكر منها “دكان الأخلاق” المقتسبة عن رواية يوسف السباعي “أرض النفاق”.

ويخبرنا المؤلف في هذا الصدد أنه اقتبس من الرواية -في مرحلة أولى- قصة، وذلك في مطلع السينيات من القرن الماضي، وقد أهدى نسخة منها إلى السباعي عندما زار الجزائر سنة 1964.

ونذكر هنا تحديدا هذه القصة -التي أصبحت مسرحية بعد بضع سنين- لا للمثل فقط، بل للاعتذار البعدي كذلك، وسبب ذلك أننا في القسم الثقافي لأسبوعية “المجاهد” ظلمنا شيخنا محمد الطاهر سنة 1970، عندما سمحنا لصحفي مبتدئ لم يكن على دراية بالخلفية السابقة ينشر مقالا يتهم الشيخ بادعاء تأليف مسرحية “دكان الأخلاق” دون الإشارة إلى الإشارة إلى رواية “أرض النفاق”.

وكان البشير الإبراهيمي قد شهد لصاحبنا بريادة المسرح الناطق بالعربية الفصحى في الجزائر تأليفا وتمثيلا، إذ يقول في ذلك “وتعاطى التمثيل العربي، بل لعله كان أول من فتح هذا الباب، وكتب بقلمه عدة (مسرحيات) كان بها أول من أشرك العربية في هذا الباب العظيم من أبواب الأدب العربي”. ويضيف الشيخ على نفس النسق: “ورحل إلى الشرق واقتحم ميدان الفن مع فحوله، فأخذ عنهم سلامة الإلقاء وحسن الأداء”، وفي ذلك إشارة إلى فرقة “هواة المسرح العربي الجزائري” التي كان محمد الطاهر فضلاء قد أسسها وطاف بها العديد من المدن الجزائرية واستكملها بجولة إلى القاهرة حيث أقام بضعة أشهر رفقة أربعة من شباب فرقته.

وكان شيخنا رائدا كذلك على صعيد إشراك المرأة في التمثيل، وأعطى المثل في ذلك بإشراك حرمه السيدة نضيرة، وهي ممثلة ومنتجة لبرنامج إذاعية منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بعنوان “حديقة المرأة” وكان مثل هذا الموقف الرائد من الشيخ يعتبر في تلك الفترة في منتهى الجرأة، بدليل أني سمعت غداة الاستقلال شيخنا الطاهر حراث يستنكر عليه ذلك! ولم يكن حراث في عداد المتزمتين من شيوخ جمعية العلماء.

 

من رواد المسرح الإذاعي

أما عن خدمة الشيخ للمسرح في الإذاعة فحدث ولا حرج! فلم يكن رائدا فحسب بل تربع على عرشه أكثر من نصف قرن (من 1942 إلى 1994) وكان من الطبيعي أن يكافح من أجل استمرار برنامجه سواء إبان الاحتلال أو أثناء الاستقلال، فخلال ثورة التحرير المباركة بادر النقيب “ڤالويان” الذي عين بعد انقلاب 13 مايو 1958 مديرا للقسم العربي في إذاعة الجزائر، بإلفائه فتصدى له الشيخ بجرأته المعهودة. وليس غريبا أن يكون هذا النقيب وهو من غلاة المتطرفين وراء الكيد للشيخ وحبسه ما بين 1959 و1961، بعد أن كان عرف السجن غداة مجازر 8 مايو 1945.

أما خلال فترة الاستقلال فيخبرنا الأديب الطاهر وطار أنه لما عين على رأس الإذاعة (في حكومة حمروش) وجد البرنامج موقفا، فعمل على إعادته مرة أخرى بعد أن سعى لديه الشيخ في ذلك، وكان الشيخ قد استأنف برنامجه الأسبوعي “مسرح الهواة” سنة 1978 وكان برنامجا للتربية والتكوين المسرحي، فضلا عن تشجيع المواهب المبدعة، كما تدل على ذلك أركانه الثابتة مثل “الثقافة المسرحية”، “إنتاج الهواة” و”مسرحية الأسبوع”… وقد شهد لهذا البرنامج أحد مريديه وهو الأستاذ مصطفى بن دهينة من بشار الذي كتب في رسالة إلى الشيخ يقول: “جاء مسرح الهواة ليخدم المسرح الأصيل، وليرفع الذوق السليم، في زمن هبطت فيه الأذواق إلى مستوى الحضيض، في وقت خلت الساحة الثقافية والمسرحية والفنية من روادها، فأضحت مرتعا للمتطفلين ومغنما لكل من هب ودب”.

 

 اللعبة الخبيثة!

ولم يمارس شيخنا التكوين المسرحي على الأثير فقط، بل مارسه كذلك بالمعهد البلدي..

 ومن الأعمال الطريفة للشيخ فضلاء مسرحية “أكتوبر 1942” التي استوحاها من واقعة تاريخية مجهولة أوردها الشيخ أحمد توفيق المدني في الجزء الثاني من مذكراته “حياة كفاح” وتعكس كل من الواقعة والمسرحية مدى استهانة الممثل الفرنسي بالجزائريين، عشية إنزال قوات الحلفاء في 8 نوفمبر من نفس السنة، بطل هذه الواقعة وضحيتها في آن واحد هو العقيد بن داود، وهو شخصية أسطورية ترمز إلى هوان الضابط الجزائري في صفوف الجيش الفرنسي حيث لا قيمة لأوامره قياسا بأدنى ضابط صف فرنسي، وقد أصبحت مأساته مضرب الأمثال فيقال: “العربي عربي ولو كان العقيد بن داود” وخلاصة الواقعة التي تناولها الشيخ توفيق المدني تحت عنوان: أهى لعبة خبيثة؟ أن ضابطا أساسيا فرنسيا يدعى “فان هيك” كلف بتنويم الجزائريين حتى لا يجد فيهم أنصار حكومة فيشي بالجزائر وهم كثيرون سندا إذا ما بدا لهؤلاء أن يتصدوا لإنزال الحلفاء الوشيك، فاتصل لذلك بالعقيد بن داود وأوهمه أن الحلفاء يرغبون من الجزائريين تشكيل حكومة تتولى شؤونهم بالتنسيق معهم أسوة بالفرنسيين الذين يتأهبون لإعلان حكومة مماثلة برئاسته.

أخذ العقيد بن داود اللعبة مأخذ الجد فاتصل بالقاضي عند الرحمان تْشَنْدَرْلي الذي اتصل بدوره بكل من المدني والأمين العمودي وهكذا اجتمع الأربعة بمكتب القاضي في شارع “لالير” (بوزيرينة) حاليا وطرح عليه العقيد الموضوع على النحو التالي: المطلوب تشكيل حكومة مؤقتة من عشرة أعضاء ومجلس شيوخ من كذا عضوا، بهدف عرض التشكيلتين على ممثل إمريكا للمصادقة، علما أن فان هيك سبق بتقديم حكومة الأقلية الفرنسية صبيحة نفس اليوم (26 أكتوبر).

 

أحلام اليقظة!

واختصارا نكتفي بذكر المقترح الخاص بالحكومة وتوزيع الحقائب بين أعضائها العشرة بن داود رئيسا، تشندرلي وزيرا للعدل، توفيق المدني وزير للعلوم والمعارف، العمودي رئيسا لمجلس الشيوخ، وتم توزيع بقية الحقائب كما يلي: الداخلية لفرحات عباس، المالية لأحمد بومنجل، مشيخة الإسلام للإبراهيمي، الشؤون الاجتماعية للدكتور بن جلول، التجارة والاقتصاد للدكتور عبد النور تامزالي، الإعلام والاتصال للدكتور أحمد فرنسيس!

وتم بالمناسبة إعداد بيان الإعلان عن الحكومة باللغتين: يلقيه الرئيس بن داود بالفرنسية على أمواج الإذاعة ثم يتلوه المدني بالعربية، لكن بعد أقل من 24 ساعة جاء الأميرال “دارلان” باسم المارشال “بيتان” ونصب نفسه حاكما على الجزائر، وما لبث الحلفاء أن نصبوا رجلهم في شخص الجنرالجيرو الذي ترك مكانه بعد أشهر معدودة للجزال دو غول.

وصحا القاضي تشندرلي من غفوته رفقة المدني والعمودي، فلم يجدوا أثرا لا لبن داود ولا “لفان هيك” وهكذا تنتهي اللعبة الخبيثة حسب تعبير المدني! هذه اللعبة الخبيثة حولها الشيخ فضلاء إلى مسرحية من أربعة فصول بعنوان مثير “المهرجون” من تأليف المؤلف المسرحي الكبير أحمد توفيق المدني، واكتفى الشيخ بكتابته السيناريو والحوار والتمثيل والإخراج.

وجاءت هذه المسرحية في كتاب “التحريف والتزييف” الذي صدر عن المؤلف في معرض الرد على مذكرات الشيخ أحمد توفيق المدني “حياة كفاح” (الجزء الأول والثاني خاصة) وفيها من السخرية الشيء الكثير بهدف التقليل من شأن ما ورد في المذكرات من معلومات تارة وأحكام وآراء تارة أخرى، وسنتوقف بشيء من التفصيل مع بعض هذه الردود في الحلقة القادمة.

(1) صدر عام 1982 عن دار البعث – قسنطينة.

(*) صدر أخيرا عن دار هوية – الجزائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • يحي 24/ 07/2010

    شكرا سيدي"عباس" على هذا المقال الرائع و المستفيض حول بعض أعلام الحركة الإصلاحية في الجزائر ،و أبناء جمعية العلماء المسلمين الجزائرين الذين أفنوا حياتهم في خدمة البلد في مجال الفكر و الثقافة و الإصلاح ،في المسرح و التمثيل في التأليف و الإخراج في الكتابة و الإبداع،ناضلوا بقلمهم و جاهدوا بصبرهم و قاوموا بجلدهم هموم الزمن الغادر، والمعاناة و الألم التي تعرضوا لها إبان الإستعمار الفرنسي الغاشم و بعد الإستقلال،لكن قبل أن أسرد ما يجول في خاطري عن هذا العلم النحرير و خادم المسرح الجزائري باخلاص و امتياز"فضلاء"،أود أن أعرف القراء الشروقيين
    عن هذا الجبل الراسخ و القلعة الفارهة ،المجاهد"محمد عباس"(جبل يكتب عن جبل)أطال الله عمره،إسمعوا:
    هو قلم محترف و صُحُفي مخضرم من الرعيل الأول الذي خدم
    الصحافة و اقتحم عالم الكتابة و استمر فيها يافعا ،و هو مؤرخ بارز كانت له صيحات عالية و صرخات مُدوية من أجل لفت انتباه السلطات الجزائرية لكتابة تاريخها الناصع و تسجيل تراثها و مجدها قبل فوات الأوان و رحيل رجال الذاكرة الأمجاد،ظل لسنوات يكتب في السياسة و الأدب في الفكر و الثقافة ،عن أخبار الواقع،كتب في"المجاهد الأسبوعي" و"الشعب" في عهد الحزب الواحد ثم ما لبث أن صارت له جريدة يومية بعد فتح مجال التعددية الإعلامية بعد التعددية السياسية ثم قانون الإعلام فيما بعد،فأسس جريدة"السلام"في بداية التسعينات،كانت بحق لسانا لنشر الطمأنينة والسلام و منبرا للحب و الوئام،صدرا و حضنا مفتوحا للجميع، كنت أقرؤها بنهم و شراهة ،و قد احتفظت إلى اليوم بأعداد منها منذ حوالي 26 سنة(لم تستمر في الصدورللأسف فكان مصيرها الغلق و المصادرة على غرار الصح آفة و رسالة الأطلس و السبيل و المنقذ و غيرها)،هاتفته مرة لأجل معرفة بعض الأجوبة حول جملة من الأسئلة التاريخية و الثورية،فقد كنت مولعا بالمسابقات الثقافية و الفكرية حين كنت بالثانوية،فكان يجيبني بادب و لياقة،و يسرد علي التاريخ الناصع و صفحاته المشرقة و رواده العباقرة،كأنما دبت الحياة بين جنباته...
    كرمته جمعية الجاحظية قبل ثلاث سنوات بالضبط (أي في 26جويلية 2007) في مقرها،فقدمه الأديب الروائي"وطار" شفاه الله و أطال عمره،على أنه علم من أعلام التاريخ و الصحافة الجزائرية،أشاد بخصاله الفكرية و شيمه الإبداعية ذاكرا على رأسها وفاءه للقلم واحترافيته الكاملة في عالم الصحافة، واستمراريته في الكتابة، واهتمامه بالتاريخ الوطني،حضر حفل التكريم جمع لامع من علماء و أعلام الجزائر على رأسهم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين "عبد الرحمن شيبان" أطال الله عمره،و الدكتور"سعيد شيبان" و الصُحُفي الإعلامي البارز"سعد بوعقبة" و رئيس الحكومة السابق "مولود حمروش" و بعض الوجوه والأصدقاء الذين عرفوه و تابعوا مسيرته مذ كان يدرس في الجامعة، في المدرسة العليا للإعلام في سبعينيات القرن الماضي،يكتب و يؤلف و يؤرخ و يضع بصمات ابداعاته بين القصة والواقع بين الخيال والحقيقة،و منها نشرت له الجاحظية مجموعته القصصية بعنوان"زيدومة"،يرجع تاريخ بعض نفحاتها إلى سبعينيات القرن الماضي،هذا هو المجاهد "محمد عباس"أطال الله عمره، و هذه هي سيرته العطرة باختصار شديد.....
    لنرجع الآن إلى العـَلـَمْ الثاني و الجبل الشامخ التالي الذي تكلم عنه المجاهد"عباس" باسهاب،و هو أبو المسرح الجزائري
    و رجل جمعية العلماء الفذ و رجالات الإصلاح"محمد الطاهر فضلاء"رحمه الله ،و صاحب"مسرح الهواة"الذي كنا نتابعه
    من على أمواج الأثير طيلة عقدين كاملين فقد كنت أسجل بعض حصصه السمعية و أعيد سماعها لأكتشف الجديد و المهارات والإبداعات و رأيه الحصيف فيما يـُقدم آنذالك...
    أول رؤيتي له مباشرة كانت خلال ملتقى الفكر الإسلامي الذي جرى بسطيف سنة 1989إن لم تخني الذاكرة،(حين كان السيد خليفة بن جديد واليا عليها)أعطيت له الكلمة التي ما لبث أن غاص بنا بها في أتون فنون المسرح و إرهاصاته و معضلة الثقافة و الإعلام و دور المسرح و كان يتكلم بألم و حسرة لم يسكت حتى أوقفه رئيس الجلسة آنذاك(أظنه السيد حمزة ودوغي أو عبد الرزاق قسوم لا أذكر، و كان وزير الشؤون الدينيةآنذاك السيد "باقي بوعلام" حاضرا) و لو لم يوقفه لبقي يتكلم بدون إنقطاع،ثم كانت المرة الثانية التي رأيته فيها حين نظمت إحدى الجمعيات الإسلامية في سطيف الملتقى الأول حول حياة العلامة"البشير الإبراهيمي" رحمه الله في ذكراه
    السادسة و العشرين لوفاته في ماي 1991(توفي رحمه الله في 19 ماي 1965)،قدم محاضرة قيمة و مستفيضة عن فكر العلامة و مسيرة العلامة و عن جمعية العلماء من التأسيس إلى التحسيس،تناوش قليلا مع الشيخ المؤرخ"زهير الزاهري"
    حول بعض القضايا الخلافية تتعلق بالمحنة التي تعرض لها
    الشيخ"الإبراهيمي" بعد الإستقلال حين وُضع تحت الإقامة الجبرية في عهد الرئيس "بن بلة"(أشرطة هذا الملتقى البصرية موجودة عند أحد الأصدقاء)...
    المرة الثالثة و الأخيرة التي كتب الله لي ان اراه فيها كانت في
    ولاية المسيلة ،حين نظمت إحدى الجمعيات المحلية المهتمة بالمسرح ملتقى ثقافيا بدائرة"عين الحجل" دام ثلاثة أيام،كان نجمه بلا منازع صاحبنا "فضلاء" رحمه الله،إلى جانب وجوه فنية و ثقافية من بعض الولايات أذكر منهم السيد
    "محمد شرقي" أستاذ مسرح من وهران و الشاعر"لخضر فلوس" من المسيلة و الكاتب المسرحي "عيسى شريط" و غيرهم،قدم "فضلاء خلالها "محاضرة قيمة في ختام الملتقى دامت ساعتين، غاص بنا فيها كعادته في أعماق تاريخ المسرح و قدم نظرته العامة و الشاملة في هذا المجال و ما جرى له و حدث له أيام كان يجوب المدن و البلدان باحثا عن من يسمع له و يقرأ له و يفهم ما يجول بخاطره،تكلم عن نكسة المسرح عن محنته و قد قدمه الشاعر"لخضر فلوس"للجمهور قائلا(كان رئيس الدائرة
    حاضرا رفقة رئيس الدائرة الأثرية لولاية سطيف):" شاء الله أن يكون ختام هذا الملتقى بحضور شيخنا و أستاذنا"محمد الطاهر فضلاء"، و هو أعرف من يُعرف،فهو من جيل رائد بعث روح هذه الأمة و هو الآن أمامنا،سفر من التاريخ و كنز من المعرفة،سيلقي علينا محاضرة نرجو أن نغتنمها لكي نستفيد و أن نغتنمه هو أيضا لكي نستزيد،و لا أدري ما أقول فيه
    إلا ما قاله المتنبي مع بعض التحوير:
    كفاتك ودخول الكاف منقصة***كالشمس قلت وما للشمس أمثال
    فليتفضل مشكورا..."
    و على هامش الملتقى دردشت معه قليلا و منه عرفت سيدي "عباس"سنه الحقيقية ،حيث قال لي بصريح العبارة(و كان معي الشاعر فلوس و بعض الفنانين المسرحيين):هذا الرجل الواقف أمامكم كان سنة 1963في سن الأربعين 40 سنة،و الآن سنة 1993 كم أصبح عمره الآن؟فأجابه من كان يحيط به بصوت واحد:سبعون 70 سنة،فضحك رحمه الله و ضحكنا ورائه،ثم تلى البيت الشعري و هو يضحك:
    وماذا يبتغي الشعـراء مِنِّـي *** وقد جاوزت حد الأربعين ...
    من هنا سيدي "عباس" عرفت أنه ولد سنة 1923 و ليس سنة 1918 كما ذكرت،لأنه لو كان ولد خلال هذه السنة لقال:في 1963 كان عمري 45 سنة،و لا أظنه يخطئ في ذكر سنه ، لهذا أرجو من نجله السيد"باديس فضلاء" و منك سيدي"عباس" أن تتحققا من سنه حتى لا يبقى لغزا(سجلت له شريطين سمعيين خلال هذا الملتقى،و هما عندي محفوظين،و ذكره لسنه مسجل)....
    في الأخير أشكرك كثيرا سيدي و أستاذي و حبيبي"محمد عباس" على هذا المقال الذي جعلني أرجع إلى الوراء،إلى الذكريات إلى النفحات التي تركها هؤلاء الأفذاذ والأمجاد و البصمات الخالدة التي لا تـُنسى و لا ينبغي لها ن تـُنسى من لدن
    رجال عاشوا للعلم و المعرفة و التاريخ، للحضارةو الفن النظيف والعفيف للكلمة المجلجلة،شكر لك و أطال الله عمرك
    سيدي، و أدخلك الجنة بغير حساب ، يار ب يحي
    boumrong@yahoo.fr