الرأي

مفاعل خير

عمار يزلي
  • 2336
  • 3

وأنا عائد يوم أمس، قبيل المغرب وقد خرجت لشراء تمر وحليب فلم أجد شيئا يباع بالقرب، التقيت بجار لنا لا ألتقي به إلا نادرا، لأنه من أهل الخير وعادة ما تجده إما في العمرة أو الحج أو في رحلات خيرية.

مهندس قديم و”بخير عليه”. التقيت به صدفة، فسألني أين كنت؟ فذكرت له السبب. ابتسم وقال لي: عندك الزهر.. أنت رجل فيك الخير..ونيتك صافية وطيبة..(قلت له في خاطري: باينة على كمارتي!)..تعالى معي وسأطلب منك خدمة صغيرة. قلت له: ما هي: قال لي: أن تساعدني على توزيع الحليب والتمر اليوم للمصلين في المسجد المجاور. وافقت دون أن أسأله مزيدا من الأسئلة والمغرب قريب. دخل، ثم خرج بثلاثة علب حليب وصاشي به نحو 4 كلغ تمر، ناولني إياها وقال لي: أذهب أوصل هذا لبيتك وتعالى لي قبل المغرب بعشر دقائق لنحمل الحليب والتمر للمسجد. شكرته دون مزايدة، وأخذت الحوائج للبيت لكي أعود إليه بسرعة. لا أريد أن أحكي لكم إلى أي درجة انفتحت زاوية فم كل من كان في البيت: البعض 90 درجة البعض زاوية حادة، البعض.. منفرجة.. أما زوجتي.. لأن فمها “مشرك”، فقد انفتح فمها بـ 180 درجة.. لدرجة أنها لم تعرف ماذا تسأل ولا ماذا تقول. خرجت أنا أيضا دون أن أشرح..ورحت أنتظر خروج الرجل قبيل الدقائق العشرة. انتظرت إلى أن خرج. قلت له: هذا وين وصلت.. راني في الوقت؟ قال لي: تماما! وضحك. في المسجد… نسيت حاجة مهمة: كان علي أن أصلي بعد توزيع الإفطار على المصلين، وإلا كيف يعقل أن أوزع الحليب والتمر، ثم عندما يقول الإمام “الله أكبر” أقول أنا لهم في قلبي “باي باي”؟. كان علي أن أصلي..هكذا..الله يجعل ربي يغفر لي.. بدون وضوء..! قمت وصليت مع الناس..بلا طهارة. عدت إلى البيت لأشرح ما حدث، فلم أجد شيئا كثيرا آكله.. من غير التمر والحليب الذي أخذت منه في المسجد وفرة لا تضاهى. مع ذلك، تناولت حريرة وخبزا وبصلا وأكلت حبة ليمون هكذا حامضة بقشرتها..(ما نيش عارف كيفاش جاتني..بانت لي حبة تفاح). وأكثرت من الشرح حتى أني نسيت أني لم أشبع..وأخبرتهم أني اليوم صليت في المسجد صلاة المغرب.. ولم أقل لهم أني صليتها بلا وضوء. فلقد بقيت في حرقة هذه الصلاة المزورة الباطلة التي اقترفتها لأني رحت لأفعل الخير مع فاعل خير..بقيت في حلقي كالغصة..

توقفت عن الأكل والكلام، وانزويت إلى بيت لا أحد فيه ورحت أفكر في ما اقترفته اليوم. هذا اليوم الرائع الذي أكرمت فيها بإكراميتين: إكرامية التمر والحليب للعائلة الذي خرجت لأبحث عنه: صدفة إلهية، وإكرامية إكرام المصلين بتوزيع الحليب والتمر عليهم قبل إفطار. إفطار أكثر من 300 صائم. فما كان علي سوى أن توضأت وصليت المغرب من جديد في بيتي.. وخرجت لأول مرة لأصلي التراويح.

مقالات ذات صلة