جواهر
في‮ ‬ظل السيطرة الذكورية وتوجه النساء إلى الفتاوى المستوردة

مفتيات لتنوير الجزائريات والقضاء على الحجاب المتبرج

جواهر الشروق
  • 20319
  • 0

تشهد ساحة الإفتاء في‮ ‬الجزائر‮ ‬غيابا كليا لمفتيات نساء،‮ ‬يتولَّين الإجابة عن عدد من المسائل المتعلقة ببنات جنسهن،‮ ‬خاصةً‮ ‬أنَّ‮ ‬النساء‮ ‬يتحرجن من سؤال المشايخ الرجال عن أمورهن المحرجة‮… ‬كل هذه الإشكاليات تجعل أمر تولي‮ ‬نساء مهمة الإفتاء أكثر من ضرورة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬فللنساء فقه خاص‮ ‬يحتم التعامل معهن بطريقة معينة،‮ ‬خاصة أنه لا‮ ‬يوجد ما‮ ‬يمنع المرأة شرعاً‮ ‬من تولي‮ ‬منصب الإفتاء‮.‬

كشف وزير الشؤون الدينية والأوقاف،‮ ‬محمد عيسى،‮ ‬عن اعتماد نساء مفتيات في‮ ‬المجلس العلمي‮ ‬لأول مرة في‮ ‬الجزائر،‮ ‬سيتولين مهمة تنوير الجزائريات والإجابة عن مختلف القضايا التي‮ ‬تواجهها المرأة الجزائرية في‮ ‬حياتها اليومية‮. ‬وأضاف أن الكثير من الجزائريات‮ ‬يتوفرن على علم شرعي‮ ‬غزير ما‮ ‬يؤهلهن للفتوى،‮ ‬خاصة أن الكثير من المرشدات الدينيات تحولن إلى مفتيات في‮ ‬المساجد لما‮ ‬يتميزن به من علم وكفاءة جامعية‮.‬

كثيرة هي‮ ‬المسائل الشرعية التي‮ ‬تختلط أحكامها على النساء،‮ ‬ولا‮ ‬يجدن لها إجابة مفصلة من شيوخ رجال،‮ ‬فيلجأن إلى الكتب الدينية أو الفتاوي‮ ‬الجاهزة على الإنترنت،‮ ‬أو‮ ‬يستعنّ‮ ‬بالمرشدات الدينيات اللواتي‮ ‬يكنّ‮ ‬وسيطات بين السّائلة والشيخ،‮ ‬ولكن حتى المرشدة الدينية هي‮ ‬أنثى قد‮ ‬يستعصي‮ ‬عليها نقاش بعض الأمور مع شيخ رجل‮… ‬وزوجات‮ ‬يكلفن أزواجهن بنقل انشغالهن إلى إمام مسجد،‮ ‬وبالطبع لن‮ ‬يتمكن الزوج من شرح استفسار‮ ‬يخص المرأة،‮ ‬خاصة إذا تعلق بمواضيع الطهارة،‮ ‬الزواج،‮ ‬أحكام الحيض والنفاس‮… ‬إلى درجة شاهدنا على قنوات فضائية مُفتيا‮ ‬يتهرّب من الإجابة عن سؤال امرأة،‮ ‬لحرجه من التفصيل في‮ ‬الموضوع،‮ ‬وآخر نهر امرأة على المباشر اعتبر سؤالها منافيا للأخلاق،‮ ‬رغم أن السؤال متعلق بأمر نسائي‮ ‬عادي،‮ ‬ونساء‮ ‬يفضلن السكوت عن بعض الأمور الشرعية تجنبا للحرج والضيق‮.‬

‭ ‬

البرلمانية والدكتورة أسماء بن قادة‭:‬

لا‮ ‬يمكن استمرار تغييب النساء عن الإفتاء

‬اعتبرت الدّكتورة والبرلمانية أسماء بن قادة لـ”الشروق‮”‬،‮ ‬أن للفتوى ضوابط وشروطا،‮ ‬وصناعة الفتوى لا تخضع لجنس المفتي،‮ ‬فإذا امتلكت المرأة من المؤهلات ما‮ ‬يسمح لها بالإفتاء فلها ذلك،‮ ‬وتضيف‮: “‬الاجتهاد النسوي‮ ‬أصبح ضرورة،‮ ‬فالله عز وجل خلق المرأة والرجل على أساس من مبدإ الزوجية‮… ((‬ومن كل شيء خلقنا زوجين اثنين لعلكم تذكرون‮)) ‬وهو مبدأ‮ ‬يقتضي‮ ‬أن تشترك المرأة والرجل في‮ ‬صناعة الفتوى أو الرأي‮ ‬أو القرار،‮ ‬حتى تكون الرؤية أو الفتوى أكثر توازنا وثراء،‮ ‬بحكم اختلاف طبيعة المرأة والرجل وتركيبتهما،‮ ‬فتمازج القيم الذكورية والأنثوية الإيجابية فضلا عن المؤهلات العلمية،‮ ‬سيُنتج فتوى أكثر توازنا‮.‬

وتأسفت محدثتنا لما أصاب مجال الفتوى خلال قرون طويلة من إفقار تعسّفي،‮ ‬بتغييب النساء عن الإفتاء،‮ ‬رغم قول الله تعالى‮: ((‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض،‮ ‬يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‮)) ‬و‮((‬اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون‮))‬،‮ ‬وأهل الذكر هنا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكونوا من النساء،‮ ‬ورغم هذا وُجد من‮ ‬يشترط الذكورة للفتوى‮. ‬وحسب بن قادة‮ “‬النظام المعرفي‮ ‬الذي‮ ‬أسس للفقه والتفسير وعلم الكلام والفتوى،‮ ‬قائم على نمط من التفكير الأحادي‮ ‬المفعم بالقيم الذكورية منفردة،‮ ‬وتغييب القيم الأنثوية الإيجابية عن الاجتهاد،‮ ‬فغاب التوازن عن الأحكام الاجتهادية،‮ ‬وعانت المرأة من الاضطهاد والظلم عبر العصور،‮ ‬فالرجل ظل‮ ‬يفتي‮ ‬وفقا لطبيعته ورؤيته،‮ ‬ومن هذا المنطلق ظهرت فتاوى زيجات المسيار،‮ ‬المتعة والزواج بنيّة الطلاق‮… ‬وذلك لقصر النظر على أركان الزواج بعيدا عن أي‮ ‬قراءة مقاصديّة،‮ ‬ترمي‮ ‬إلى الحفاظ على الأسرة من حيث الاستقرار والاستمرار وتحقق السكينة والمودة والرحمة ومتطلبات الميثاق الغليظ‮”.‬

‭‬أما إفتاء المرأة للنساء فهو أوجب،‮ ‬بحكم وجود قضايا‮ ‬غاية في‮ ‬الحساسية والحرج ترتاح فيها المرأة مع المرأة أكثر،‮ ‬لكن ذلك لا‮ ‬يعني‮ ‬تخصيص المرأة لفتوى النساء،‮ ‬إنما‮ ‬يمكن اعتبار ذلك إضافة إلى الإفتاء في‮ ‬مجالات الشأن العام‮.‬

‭ ‬

رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرزاق قسوم‮:‬

‮”‬المفتيات مطلب واقعي‮ ‬وضروري،‮ ‬ومن‮ ‬يحرم ذلك شخص أمّيّ‮”‬

أكد رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرزاق قسوم‮  ‬لـ‮ “‬الشروق‮”‬،‮ ‬أن مطلب وجود نساء مفتيات في‮ ‬المجتمع الجزائري،‮ ‬مطلب واقعي‮ ‬وضروري،‮ ‬فالنبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم كان‮ ‬يقول في‮ ‬ما معنى حديثه‮: “‬خذوا نصف دينكم عن فلانة‮…” ‬وفلانة هي‮ ‬إحدى زوجاته الكرام،‮ ‬فما الذي‮ ‬يمنع المرأة من التفقه في‮ ‬الدين والغوص في‮ ‬دراسة أحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية؟ المرأة مثلها مثل الرجل لها حقوق وعليها واجبات في‮ ‬تنوير مجتمعها،‮ ‬إذا ما استطاعت لذلك سبيلا،‮ ‬فالله عز وجل‮ ‬يخاطب خلقه‮: ((‬والمسلمين والمسلمات‮)) ‬ولم‮ ‬يقل‮ “‬المسلمين‮” ‬فقط‮.. ‬إفتاء المرأة في‮ ‬الإسلام ليس حراما،‮ ‬بل‮ ‬يجب على المرأة أن تتفقه في‮ ‬الدين لتفتي‮ ‬لبنات جنسها في‮ ‬قضايا نسائية بحتة قد‮ ‬يجد فيها الرجال الشيوخ حرجا،‮ ‬وحتى لها أن تفتي‮ ‬في‮ ‬أمور أخرى إذا تفقهت في‮ ‬الدين ورأى أهل الاختصاص أن لها القدرة على ذلك‮. ‬ووصف الشيخ قسوم المنادين بحرمة إفتاء النساء بأنهم أشخاص‮ “‬أمّيّون‮” ‬لا‮ ‬يفقهون في‮ ‬الدين شيئا‮. ‬

‭ ‬

جلول حجيمي‮ ‬رئيس النقابة الوطنية للأئمة‮:‬

غياب المفتيات أدى إلى جهل الجزائرية للكثير من أمور دينها

أكد المنسق العام لنقابة الأئمة جلول حجيمي‮ ‬لـ‮ “‬الشروق‮”‬،‮ ‬أن الإفتاء‮ ‬يقاس بعلم الشخص وحكمته و استقامته،‮ ‬وتمكنه في‮ ‬الدين،‮ “‬على المفتي‮ ‬أن‮ ‬يكون مدركا لفقه الأخلاق والفقه المقارن،‮ ‬ملما بالمذاهب خاصة المذهب المتبع في‮ ‬البلد‮… ‬الفتوى تؤخذ من مسلم ذي‮ ‬ثقة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬ملم بالأدلة الشرعيَّة،‮ ‬والفهم الصحيح،‮ ‬والقدرة على الاستنباط والقياس‮”.‬

وأكد حجيمي‮ ‬أن الذكورة ليست شرطا في‮ ‬الإفتاء،‮ ‬يقول‮: “‬وُجد في‮ ‬تاريخ الأمة الإسلامية من النساء من اشتغلن بالفتوى والعلم،‮ ‬منهن صحابيات وأمهات المؤمنين،‮ ‬أعظمهن أمنا عائشة رضي‮ ‬الله عنها،‮ ‬كانت تجيب على مواضيع النساء التي‮ ‬يصعب طرحها على رجل،‮ ‬والمرتبطة بيولوجية الصيام،‮ ‬النفاس،‮ ‬المعاشرة الزوجية‮… ‬وكانت أمنا عائشة تجيب نقلا عن الرسول الكريم عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم‮… ‬لكن‮ ‬يُشترط في‮ ‬المرأة‮ “‬المفتية‮” ‬التمتع بقدر من العلم والألتزام بالدين‮. ‬وعن وجود نساء مؤهلات للفتوى في‮ ‬الجزائر؟ رد حجيمي‮: “‬يوجد‮… ‬ولكنهن لسن ذوات عمق كبير جدا،‮ ‬ومع ذلك لدينا أستاذات جامعيات ومرشدات دينيات‮ ‬يؤهلهن مستواهن للأجابة عن استفسارات بنات جنسهن‮”. ‬وحسب حجيمي‮: “‬المرأة المفتية تنفع كثيرا في‮ ‬أواسط النساء من بني‮ ‬جنسها،‮ ‬خاصة في‮ ‬أمور‮ ‬يستحيى منها عند سؤالها للرجال.الفتوى تتعلَّق بالعلم الذي‮ ‬يُحمل في‮ ‬الصدر،‮ ‬بخلاف القضاء والولاية الكبرى اللذين لا‮ ‬يتناسبان مع طبيعة المرأة‮.‬

مقالات ذات صلة