مفتيات لتنوير الجزائريات والقضاء على الحجاب المتبرج
تشهد ساحة الإفتاء في الجزائر غيابا كليا لمفتيات نساء، يتولَّين الإجابة عن عدد من المسائل المتعلقة ببنات جنسهن، خاصةً أنَّ النساء يتحرجن من سؤال المشايخ الرجال عن أمورهن المحرجة… كل هذه الإشكاليات تجعل أمر تولي نساء مهمة الإفتاء أكثر من ضرورة في المجتمع، فللنساء فقه خاص يحتم التعامل معهن بطريقة معينة، خاصة أنه لا يوجد ما يمنع المرأة شرعاً من تولي منصب الإفتاء.
كشف وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، عن اعتماد نساء مفتيات في المجلس العلمي لأول مرة في الجزائر، سيتولين مهمة تنوير الجزائريات والإجابة عن مختلف القضايا التي تواجهها المرأة الجزائرية في حياتها اليومية. وأضاف أن الكثير من الجزائريات يتوفرن على علم شرعي غزير ما يؤهلهن للفتوى، خاصة أن الكثير من المرشدات الدينيات تحولن إلى مفتيات في المساجد لما يتميزن به من علم وكفاءة جامعية.
كثيرة هي المسائل الشرعية التي تختلط أحكامها على النساء، ولا يجدن لها إجابة مفصلة من شيوخ رجال، فيلجأن إلى الكتب الدينية أو الفتاوي الجاهزة على الإنترنت، أو يستعنّ بالمرشدات الدينيات اللواتي يكنّ وسيطات بين السّائلة والشيخ، ولكن حتى المرشدة الدينية هي أنثى قد يستعصي عليها نقاش بعض الأمور مع شيخ رجل… وزوجات يكلفن أزواجهن بنقل انشغالهن إلى إمام مسجد، وبالطبع لن يتمكن الزوج من شرح استفسار يخص المرأة، خاصة إذا تعلق بمواضيع الطهارة، الزواج، أحكام الحيض والنفاس… إلى درجة شاهدنا على قنوات فضائية مُفتيا يتهرّب من الإجابة عن سؤال امرأة، لحرجه من التفصيل في الموضوع، وآخر نهر امرأة على المباشر اعتبر سؤالها منافيا للأخلاق، رغم أن السؤال متعلق بأمر نسائي عادي، ونساء يفضلن السكوت عن بعض الأمور الشرعية تجنبا للحرج والضيق.
البرلمانية والدكتورة أسماء بن قادة:
لا يمكن استمرار تغييب النساء عن الإفتاء
اعتبرت الدّكتورة والبرلمانية أسماء بن قادة لـ”الشروق”، أن للفتوى ضوابط وشروطا، وصناعة الفتوى لا تخضع لجنس المفتي، فإذا امتلكت المرأة من المؤهلات ما يسمح لها بالإفتاء فلها ذلك، وتضيف: “الاجتهاد النسوي أصبح ضرورة، فالله عز وجل خلق المرأة والرجل على أساس من مبدإ الزوجية… ((ومن كل شيء خلقنا زوجين اثنين لعلكم تذكرون)) وهو مبدأ يقتضي أن تشترك المرأة والرجل في صناعة الفتوى أو الرأي أو القرار، حتى تكون الرؤية أو الفتوى أكثر توازنا وثراء، بحكم اختلاف طبيعة المرأة والرجل وتركيبتهما، فتمازج القيم الذكورية والأنثوية الإيجابية فضلا عن المؤهلات العلمية، سيُنتج فتوى أكثر توازنا.
وتأسفت محدثتنا لما أصاب مجال الفتوى خلال قرون طويلة من إفقار تعسّفي، بتغييب النساء عن الإفتاء، رغم قول الله تعالى: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) و((اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون))، وأهل الذكر هنا يمكن أن يكونوا من النساء، ورغم هذا وُجد من يشترط الذكورة للفتوى. وحسب بن قادة “النظام المعرفي الذي أسس للفقه والتفسير وعلم الكلام والفتوى، قائم على نمط من التفكير الأحادي المفعم بالقيم الذكورية منفردة، وتغييب القيم الأنثوية الإيجابية عن الاجتهاد، فغاب التوازن عن الأحكام الاجتهادية، وعانت المرأة من الاضطهاد والظلم عبر العصور، فالرجل ظل يفتي وفقا لطبيعته ورؤيته، ومن هذا المنطلق ظهرت فتاوى زيجات المسيار، المتعة والزواج بنيّة الطلاق… وذلك لقصر النظر على أركان الزواج بعيدا عن أي قراءة مقاصديّة، ترمي إلى الحفاظ على الأسرة من حيث الاستقرار والاستمرار وتحقق السكينة والمودة والرحمة ومتطلبات الميثاق الغليظ”.
أما إفتاء المرأة للنساء فهو أوجب، بحكم وجود قضايا غاية في الحساسية والحرج ترتاح فيها المرأة مع المرأة أكثر، لكن ذلك لا يعني تخصيص المرأة لفتوى النساء، إنما يمكن اعتبار ذلك إضافة إلى الإفتاء في مجالات الشأن العام.
رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرزاق قسوم:
”المفتيات مطلب واقعي وضروري، ومن يحرم ذلك شخص أمّيّ”
أكد رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرزاق قسوم لـ “الشروق”، أن مطلب وجود نساء مفتيات في المجتمع الجزائري، مطلب واقعي وضروري، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ما معنى حديثه: “خذوا نصف دينكم عن فلانة…” وفلانة هي إحدى زوجاته الكرام، فما الذي يمنع المرأة من التفقه في الدين والغوص في دراسة أحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية؟ المرأة مثلها مثل الرجل لها حقوق وعليها واجبات في تنوير مجتمعها، إذا ما استطاعت لذلك سبيلا، فالله عز وجل يخاطب خلقه: ((والمسلمين والمسلمات)) ولم يقل “المسلمين” فقط.. إفتاء المرأة في الإسلام ليس حراما، بل يجب على المرأة أن تتفقه في الدين لتفتي لبنات جنسها في قضايا نسائية بحتة قد يجد فيها الرجال الشيوخ حرجا، وحتى لها أن تفتي في أمور أخرى إذا تفقهت في الدين ورأى أهل الاختصاص أن لها القدرة على ذلك. ووصف الشيخ قسوم المنادين بحرمة إفتاء النساء بأنهم أشخاص “أمّيّون” لا يفقهون في الدين شيئا.
جلول حجيمي رئيس النقابة الوطنية للأئمة:
غياب المفتيات أدى إلى جهل الجزائرية للكثير من أمور دينها
أكد المنسق العام لنقابة الأئمة جلول حجيمي لـ “الشروق”، أن الإفتاء يقاس بعلم الشخص وحكمته و استقامته، وتمكنه في الدين، “على المفتي أن يكون مدركا لفقه الأخلاق والفقه المقارن، ملما بالمذاهب خاصة المذهب المتبع في البلد… الفتوى تؤخذ من مسلم ذي ثقة في المجتمع، ملم بالأدلة الشرعيَّة، والفهم الصحيح، والقدرة على الاستنباط والقياس”.
وأكد حجيمي أن الذكورة ليست شرطا في الإفتاء، يقول: “وُجد في تاريخ الأمة الإسلامية من النساء من اشتغلن بالفتوى والعلم، منهن صحابيات وأمهات المؤمنين، أعظمهن أمنا عائشة رضي الله عنها، كانت تجيب على مواضيع النساء التي يصعب طرحها على رجل، والمرتبطة بيولوجية الصيام، النفاس، المعاشرة الزوجية… وكانت أمنا عائشة تجيب نقلا عن الرسول الكريم عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم… لكن يُشترط في المرأة “المفتية” التمتع بقدر من العلم والألتزام بالدين. وعن وجود نساء مؤهلات للفتوى في الجزائر؟ رد حجيمي: “يوجد… ولكنهن لسن ذوات عمق كبير جدا، ومع ذلك لدينا أستاذات جامعيات ومرشدات دينيات يؤهلهن مستواهن للأجابة عن استفسارات بنات جنسهن”. وحسب حجيمي: “المرأة المفتية تنفع كثيرا في أواسط النساء من بني جنسها، خاصة في أمور يستحيى منها عند سؤالها للرجال.الفتوى تتعلَّق بالعلم الذي يُحمل في الصدر، بخلاف القضاء والولاية الكبرى اللذين لا يتناسبان مع طبيعة المرأة.