-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مقالات “مالك بن نبي” في مجلة مسجد الطلبة في كتاب

مقالات “مالك بن نبي” في مجلة مسجد الطلبة في كتاب

وصلني في المدة الأخيرة كتابٌ صدر عن دار عالم الأفكار بالجزائر وHéritage بفرنسا، تم فيه لأول مرة جمعُ مقالات المفكر الجزائري “مالك بن نبي” رحمه الله التي صدرت في مجلة مسجد الطلبة بالجامعة المركزية ما بين سنتي 1970 و1973، بالعربية والفرنسية تحت عنوان: ماذا أعرف عن الإسلام؟ Que sais-je sur l’Islam? وكان هذا هو عنوان الكتاب.
قَدَّم للكتاب تقديما ثريا الأستاذُ “محمد ابراهيم زدور” أبرز فيه الدلالات البعيدة المدى لتلك المقالات وعُمقها والهدف الأساسي منها المتمثِّل في إيقاظ وعي المسلم بدوره ومَهمَّته على جبهة الصراع الفكري خاصة. كما أشار فيه إلى اتصال أفكار “بن نبي” بكبار المفكرين في تلك الفترة مِمّن يتفق معهم مثل الشاعر الفيلسوف محمد إقبال، والمُنَظّر في مجال التربية “باولو ريجلوس فريري”، أو يختلف معهم مثل الكاتب “جوزيف روديارد كبلينغ” الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1907. وزاد من أهمِّية هذا التقديم أن تمّ فيه الربطُ بشكل متميز بين الأفكار التي تضمّنتها المقالات والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية المعزِّزة لِمعانيها، مما يدل في ذات الوقت على أصالة العمل وعمقه.
ولعل أول ما يشدّ أكثر، ولأول وهلة، في هذا الكتاب هو كيف أن مُصلّى صغير المساحة بالجامعة، لم يكن ليُفتَح لولا التدخُّل المباشر آنذاك للدكتور أحمد طالب الإبراهيمي ومساعدة الوزير الراحل سعيد آيت مسعودان رحمه الله، يستطيع أن يُصدِر مجلة بأدنى الوسائل الممكنة تتضمن كتاباتٍ عالية المستوى تتطلع، ليس فقط إلى يقظة الجزائريين، بل كل الأمة الإسلامية.
وتكفي نظرةٌ سريعة في عناوين المقالات التي تضمنتها لِلتعرف على ذلك: “الإسلام”، “الإسلام وأسطورة القرن العشرين”، “في ذكرى ابن باديس”، “الأزهر والصراع الإيديولوجي”، “المسلم ومشكلة الإنسان”، “رمضان”، “الإيمان”، “ماذا أعرف عن الإسلام؟”، “الروحانية والاقتصادي ـ الاجتماعي” عدم ملائمة المسلم ومُلائمته الضرورية في العالم”، “حق الفقير”، “وعد الإسلام” “الكتاب المحفوظ”، “أبو الأعلى المودودي الداعية الباكستاني الكبير”.
هذا التحدي، إِنْ في إخراج وطبع مجلة في تلك الفترة، أو في مستوى الأفكار المطروحة يُبيّن لنا مدى الهِمَّة التي كانت تحكم ذلك الجيلَ ومدى قدرته على التفكير بعمق وبطريقة أقلّ ما يقال عنها إنها لا تَستصغر الذات.
في إحدى المقالات المذكورة آنفا “المسلم ومشكلة الإنسان” المنشورة في شهر جوان من سنة 1971 يقول “مالك بن نبي”: “الانسان المتحضِّر اليوم منغمسٌ وغارق بشكل كبير في النظام غير الإنساني الذي أنشأه بنفسه لأجل النهضة بالإنسان، إنه مرتبطٌ بشدة بعالم الأشياء الذي أوجَدَه بنفسه ليُزيل الاستيلاب عن بقية الناس… إنَّ هذا المجال، مجال النظر للإنسان في جوانبه النوعية، هو الذي يبدو مقتصرا على اختصاص آخرين يمكن أن يكون المسلم من بينهم لأن المسلم من البداية، غير مستلب بعالم الأشياء الحالي في شكله المادي الأيديولوجي السائد لدى هؤلاء..”
إنها معاني فقرةٍ واحدة، صادرة في مجلة بمُصلى طلابي، فما بالك بباقي المعاني في المقالات كافّة، ومنذ أكثر من نصف قرن… ألا يكفي هذا لتحريك الهِمم اليوم وحثِّ الأمة على العودة إلى الذات والانطلاق نحو المستقبل بعيدا عن كل تسطيح وتتفيه للأفكار وتشتيت للقُدرات؟… إن من بيننا اليوم من بإمكانه تنويرَ الأمة وإبراز معاني الطريق، ومنهم من يفعل في الميدان، فقط هو الإلهاء المتعمّد الذي يمنع الالتفات إلى هؤلاء والبحث معهم عن الطريق الصحيح، إلا أن مثل إعادة النشر هذه بما فيها من تذكير وإحياء وتجديد للوعي… تُعَدُّ في واقع الأمر إحياءً للأمل في أننا نستطيع أن نبني ونستعيد مكانتنا بالوعي والقدرة وقبل ذلك بالقراءة والفهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!