الرأي

مقاولة تركيا لتوطين النيتو بشمال إفريقيا

حبيب راشدين
  • 3021
  • 14
ح.م

البيان الذي صدر منذ يومين عن وزارة الدفاع يكذِّب ما تداولته بعض الحسابات والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد نسبت تصريحاتٍ مزعومة إلى الفريق رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، السعيد شنقريحة يتجاوز مجرد الرد على مواقع نكرة خليجية ومصرية، بقدر اغتنام الفرصة لتوجيه جملةٍ من الرسائل إلى جميع الأطراف المنخرطة في النزاع الليبي الذاهب نحو التدويل، والسعي إلى توريط دول الجوار في حرب بالوكالة لما هو محض امتداد لمشروع الشرق الأوسط الكبير لم يقطع حبل الرجاء من فرصة توظيف تركيا أردوغان وأرخبيل الإخوان في تصنيع نسخةٍ شمال إفريقية للفوضى الخلاقة التي مزَّقت المشرق العربي.

وحتما ما كان لهذا الخبر الكاذب الذي صدر بتاريخ 15 جويلية أن يستدعي الرد لا وقتها ولا الآن، إلا إذا كانت وزارة الدفاع تريد اغتنام الفرصة، لتوجيه أكثر من رسالة، إلى أكثر من طرف يشتغل اليوم على أكثر من مستوى، وفي أكثر من اتجاه، يدفع نحو توريط الجزائر في نزاع صار الآن نزاعا دوليا مفروضا على الإقليم.

وقد جاء البيان ليذكّر هذه الأطراف ابتداءً أن موطن صناعة القرارات والتعبير عنها هو رئاسة الجمهورية “المخولة دستوريا لإصدار المواقف الرسمية للجمهورية الجزائرية اتجاه القضايا الدولية والإقليمية الحساسة”، خاصة بعد أن كثُر الحديث في إعلام الدول والقوى المتورِّطة في النزاع الليبي حول “خلافات” مزعومة بين الرئاسة وقيادة الجيش في التعامل مع الأزمة الليبية، كما يحيلها إلى الخلفية المبدئية للموقف الرسمي الجزائري، الذي يرفض التدخُّل الأجنبي كيفما كان، ويصرُّ على الحل السلمي بين الليبيين.

وعلى مستوى آخر يريد البيان نقل رسالة إلى الطرف المصري، كما إلى بقية الأطراف المتنازعة، أن الجزائر لا ترى في التطورات الأخيرة للنزاع “صراعا مصريا- تركيا” يستدعي بالضرورة اصطفافا باسم “التضامن العربي”، بقدر ما هو صراعٌ بين القوى العظمى (الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا) يريد أن يستنسخ في شمال إفريقيا ما نُفذ في المشرق العربي، بتوظيف أدواته الإقليمية.

يقينا، ليس لأحد أن يذكِّر الجزائر بواجبها القومي، وقد أثبتت في آخر المواجهات مع الكيان الصهيوني استعدادها التامّ لأداء واجبها اتجاه أشقائها العرب، وظل موقفها ثابتا من القضية الفلسطينية، وكان موقفها متميزا اتجاه العدوان الأمريكي على العراق، ومن استباحة حلف النيتو للسيادة الليبية في 2011، في وقتٍ وظفت فيه دول عربية، ومنها مصر، الجامعةَ العربية لمنح الغطاء السياسي العربي لهذا العدوان، وهي حتما ترفض اليوم أن يُمنح حلفُ “النيتو” مرة أخرى غطاءً عربيا لعدوانه الجديد على ليبيا عبر وسيطها التركي، أو الحليف المصري.

الجزائر التي رصدت مبكرا دور حلف “النيتو” في تحريك موجة الربيع العربي الأولى، والدور الذي أنيط به لتركيا ولأدواتها من أرخبيل الإخوان المسلمين تعي تماما أن مشروع الشرق الأوسط الكبير لم يُقبَر، بل أريد له أن يتجدد في موجة ثانية خاصة بالجناح الغربي للأمة العربية، مع حراك السودان والجزائر، سبقه تسخينُ أكثر من ساحة في الساحل وفي ليبيا، ولمن عنده بعض الشك نحيله إلى تصريح للرئيس التركي كشفته صحيفة “زمان” التركية من فيديو مسرَّب سنة 2017 نقتطف منه ما جاء على لسان أردوغان يقول فيه: “إن لتركيا مهمَّة في الشرق الأوسط. وما هي هذه المهمة؟ إننا (أي تركيا) على رأس مشروعين للشرق الأوسط الكبير، وآخر لشمال إفريقيا، وإننا سنتولى هذه المهمة”.

وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فمن واجب دول الجوار الليبي أن تتعامل مع التدخُّل التركي بهذه الصفة، كوظيفة ومهمَّة أوكلهما حلف “النيتو” لتركيا، ينبغي أن لا يخدعنا ما ظهر من تضارب مصالح بين بعض أعضائه (تركيا وفرنسا وإيطاليا واليونان) وبين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، حتى ندعهم يجرُّون المنطقة إلى “سرْيَنة” الساحة الليبية أو “صوْمَلتها” مع كل كما سيترتَّب عن ذلك من تشبيكٍ وتفخيخ للساحات الموبوءة بالاحتراب في دول الساحل.

مقالات ذات صلة