-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الصحة عدوة مولاها

مليكة بوعويرة.. قصة امرأة أتعبها السرطان فقالت مقولتها الشهيرة

فاروق كداش
  • 4032
  • 0
مليكة بوعويرة.. قصة امرأة أتعبها السرطان فقالت مقولتها الشهيرة

تتوحد الإنسانية في الألم وفي المعاناة تغيب العنصرية، وأمام الأنين تزول جدران التفرقة، ومن رحم الآه قد تجود قريحة من لم يفتح كتابا بقصائد عصماء وأقوال لا تجمع في سير ومجلدات الأعلام. عن مقولة شهيرة يعرفها كل جزائري سنحدثكم عنها، لكن قصتها لا تنتهي بـ”عاشوا في ثبات ونبات”، فالنهايات السعيدة لا يذكرها أحد للأسف، كلمات خرجت من فم أم مريضة تنتظر المرور على برزخ الذاكرة.

الصحة عدوة مولاها.. الكل يعرف هذه المقولة ويرددها في أسوإ لحظات حياته، حين تختبره الدنيا في صحته وتتلقفه العلل وتنخره الأمراض، ولكن ما أصل هذه المقولة؟ ومن قالها؟ وما الظروف التي قيلت فيها؟

اسم القائلة لا يعرفه أحد، فهي أم مغمورة في قرية مغمورة، لكن الهموم جعلت منها شاعرة متمرسة، اسمها مليكة بوعويرة، عاشت رحلة مضنية مع المرض الخبيث، الذي هزم جسدها الهزيل. رحلت، ولكن قبل رحيلها، رسخت المقولة في أذهان الملايين.. نعم، بتنا نعرف أن الحياة ليست عبارة عن نهر سلام هادئ بل هي واد لا يعرف له قرار.

“الصحة يا الصحة يا عدوة مولاها”.. كلمات حزينة خرجت من فم مليكة، بعد إصابتها بسرطان الكبد في زمن كانت الأمراض الأقل خطورة، تفتك بأرواح الناس، فما بالك بالمرض العضال.

مليكة بوعويرة، من مواليد عام 1957 بأعالي أولاد حمودة بملوزة بلدية ونوغة ولاية المسيلة، في أحضان عائلة بسيطة بساطة الحياة آنذاك.

بدأت رحلة عذابها وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وهي لا تزال يافعة تجرب إحساس الأمومة لأول مرة، وبدل أن تعيش شبابها أنشأت تروح وتجيء بين بيتها البعيد ومركز بيار وماري كوري بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، بالعاصمة. قبل عمليتها الأولى، اكتشف الأطباء حملها الثاني، لا وحم ولا دلال، بل تحاليل وعلاج بالأشعة… أجرت هذه الأم الصغيرة أربع عمليات، وفي غمرة آلامها، وضعت مولودها الذي سمته جمال. عن أي معاناة تتحدثن؟ ألا يجب أن يتغير مصطلح كن شجاعا إلى كن مليكة.

قبل وفاتها، أي سنة 1976، تجمعت حولها العائلة لتزورها وتشد أزرها، فطلبت من زوجها إبراهيم أن يدون قصيدة قوية في معانيها، تحكي عن تفاصيل رحلتها لالتماس الصحة التي ذهبت دون أن تلتفت وراءها.

ووصفت مليكة وحدتها على طاولة الإنعاش وداخل غرفة العمليات، وبعد خروجها، لم تجد أحدا يواسيها ويجفف دموعها ويخفف من روعها.

توفيت مليكة في صباح أحد أيام عام 1976، بعد أن كتبت قصيدتها باللهجة العامية، بقلبها، بشرايينها المودعة، بخوفها ألا ترى ولديها مجددا.. شدت صدرها وشخصت بنظرها في السماء وغرغرت روحها، وصعدت كالريشة المرفرفة نحو جنان الخلد.

بقيت كلماتها راسخة عند أهالي المنطقة، حتى صارت من أجمل الأغاني، وتغنى بها المشهور والمغمور، وصدح بأنينها مختار مزهود والخير بكاكشي وسمير العلمي، وانتشرت في جميع ربوع الوطن، وبين المغتربين، خاصة بعد أن أداها الشاب مامي.

هذه الكلمات، قد توقظ فيكم ألما دفينا، فلا تدفنوه بالنسيان مرة أخرى.

يا الصّحة يا الصّحة ويا طبيب وداويني، كي غابت الصحة وين راح نلقاها، دخلت لفزيت وتلمو لحباب، وأنا لقريبة قعدت نشوف من الباب، يا السبيطار العالي بعلاواتو، كي كتبلي ربي تغطيت بدراواتو، أنت يا الفرملية عليلي الوسادة، لا جاتني الموت فكريني في الشهادة، انت يا لميمة اديري في لعراس، وبنتك لعزيزة وجدولها لمقاص، كي هبطوني للبلوك قالوا جيب دوسيها، لشفناها ماتت نبعث لمواليها، من صابني حمامة وندير جنحين، ونشوف وليداتي غير بالعين، يا سبيطار العالي بالقبة، كي جاتني الموت دارو بيا الطبا.

وتسترسل في مخاطبة الجراح المشرف على عمليتها: “يا مسيو لانجيل يا كبير الطبا، ماغاضنيش الباراسيون غاضتني موت الغربا، يا مسيو لانجيل يا كبير الطبا، قالي اصبري بنتي في غرنوقك حبة”.

وتوصي مليكة زوجها على ولديها قائلة: “أنت يا براهيم يا لعزيز عليا، اتهلى في وليدي هو مومو عينيا”.

وتصف مليكة حزنها عندما حان موعد زيارة المرضى بعد إجرائها العملية: “كي لحق لافزيت، ماجتنيش لميمة زعفت وبكيت، ياصحة ياصحة ياحبيبة مولاها، إذا غابت الصحة وين رايحة نلقاها”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!