الرأي

مناقشة المقال حول وضع اللغة العربية وارتباطها بالدين

عثمان سعدي
  • 6882
  • 16
ح. م

صدر يوم 29 أكتوبر مقال مطول في صحيفة “لو سوار دالجيري” (الناطقة بالفرنسية) عنوانه “لننقذ مدرستنا” حرره مجموعة من المفكرين الجزائرين، ورغم أن ما جاء في المقال مهم في مجمله إلا أنني أقدم فيه الملاحظات التالية:

   فتح المقال بفقرة غريبة هي كما يلي: (أن اللغة العربية “تثير العواطف وتهيّج الجدل” في الجزائر أكثر من أي بلد عربي آخر، لاحظ بأن هذه اللغة لا نتكلمها ولا نتعلمها جيدا في الجزائر، والسبب هو أن هذه اللغة “بدون مضمون وفقيرة وجافة كجفاف مجرى ماء هزيل في الصحراء”! ومن ثمّ “فبقدر ما نعبر عن سخطنا على حالها بقدر ما ندفعها إلى الشيخوخة والتقهقر”! )

   هذا كلام عام يحمل في طياته سخطا واحتقارا للغة العربية. كان المفروض على الأساتذة أن يستعرضوا الأسباب التي جعلت تعليم اللغة العربية والتعليم بصورة عامة غير سليم .

   السبب في رأيي:

   أولا: أن أي لغة تعلم في المدرسة لتكون شاملة في تعليم العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية والتقانة في الجامعة، بينما نجد الطب والتقانة تعلم بجامعاتنا باللغة الفرنسية وهي لغة ليست لغة التقانة بالعالم بل هي الإنجليزية. فاللغة تستمد حداثتها من تعليم العلوم الحديثة والتقانة. وأضرب مثلا بسوريا التي انفردت بأن تعلم جامعاتها الطب والتقانة باللغة العربية، فقد عملت ديبلوماسيا في أربعة بلدان عربية هي : الكويت ، مصر ، العراق ، وسوريا. ووجدت أن البلد العربي الوحيد المكتفي ذاتيا في حياته هو سوريا، فهو ينتج كل شيء تقريبا محليا ولا يستورد إلا القليل وهو لا يعتبر بلدا بتروليا علما بأن اللغة العربية بسوريا غير مطبوعة بأية قداسة لأن النظام الذي يحكم سوريا علماني . 

   ثانيا: كيف يكون التعليم بالجزائر ناجحا والاقتصاد ، والطب، والتقانة، وإدارة الدولة، تدار باللغة الفرنسية، كل البلدان التي نجحت بها تنمية اقتصادية واجتماعية تم ذلك بلغتها الوطنية التي تسود في سائر اليادين، كاليابان ، وكوريا، ونمور آسيا. فإسرائيل متقدمة باللغة العبرية التي تسود في سائر الحياة بها فحتى معهد وايزمن لعلوم الذرة التدريس به يتم بالعبرية التي كانت لغة ميتة وبعثت سنة 1948 . إيران متقدمة باللغة الفارسية، تركية متقدمة باللغة التركية إلى آخره…

   ثالثا: الأساتذة يعترفون بأن البلدان الإسلامية في الماضي كانت العربية بها مزدهرة، ونحن نقول لهم بأن العربية في تلك الفترة كانت سائدة في سائر الميادين، فالخوارزمي، وابن الهيثم، وابن النفيس، ويعقوب الكندي، والفازاري وغيرهم من علماء العرب والإسلام نبغوا بالعربية وفي العربية في بلدان تسود في حياتها 

اللغة العربية . ومن الغريب أن الأساتذة يعيدون ذلك إلى سيادة منطق اليونان متأثرين بالفكر الأوروبي، 

 وأنا أنصحهم أن يقرأوا كتاب La cité d’Isis: histoire vraie des Arabes – Pierre Rossi  وهو كتاب فرنسي يعيد الثقافة اليونانية إلى جذورها العربية، مناهضا للفكرالأوروبي الذي يجعل جذور الحضارة يونانية لاتينية… 

   رابعا: يعيب الأساتذة على العربية أنها مطبوعة بالقداسة، إن أقوى عامل الذي حفظ العربية في العصر الحديث هي أنها لغة القرآن الكريم. إيران مثلا جمهورية إسلامية متقدمة لأن اللغة الفارسية سائدة في سائر مرافق الحياة.

   خامسا: يعيب الأساتذة على التلميذ الجزائري أنه لا يقرأ، فالطفل الجزائري من قسنطينة محمد عبد الله فرح فاز في مسابقة القراءة على 3,5 مليون طفل عربي وهو ابن سبع سنوات وأبوه إمام مسجد وأمه معلمة قرآن ربياه تربية إسلامية سليمة التي يفتح قرآنها بكلمة إقرأ. والطالبة الزهراء هني في كلية الطب من مديّة فازت على متسابقين في حفظ القرآن وترتيله من 72 بلدا عربيا ومسلما، لأنها تمتعت بتربية إسلامية وهي متفوقة في سنة ثالثة طب.

   سادسا: نقول للأٍساتذة وهم ذوو التوجه الفرنكفوني، بأن الدولة في الجزائر فرنكفونية وليست معربة، الماء الذي يشربه سكان مدينة الجزائر تسيره شركة فرسية، مطار الهوار بومدين تسيره شركة فرنسية، عجزت عن تطهير واد الحراش فتعاقدت مع شركة كورية جنوبية للقيام بذلك، احترق سقف قاعة حرشة فعجزت عن إعادة بنائه فلجأت للصين، عجزت عن بناء جامع الجزائر فأتت بالصينين، إلى آخره. إذا فالفرنكفونية ودولتها بالجزائر هي العاجزة وليست اللغة العربية.

الخلاصة: نقول للأساتذة أصحاب المقال إن تنمية أي بلد هي نسيج كامل متكامل خيوطه اللغة الوطنية في إطار عبقرية العصر وعناصره الحداثية

مقالات ذات صلة