-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من آفاق الفضاء إلى أنفاق رفح

الشروق أونلاين
  • 3522
  • 0
من آفاق الفضاء إلى أنفاق رفح

غريب أن نرى كيف تفضح المآسي التي نمر بها وعينا السياسي والحضاري بدرجة أولى، وتجعلنا نحن في المقام الأول نتحرك بردود أفعال غير مدروسة، في حين يدرس غيرنا أفعاله ويخطط لها…

  • بل تجاوز ذلك إلى استباق ردود أفعالنا القاصرة والسطحية ليخطط لها بإحكام كما خطط لأفعاله وتصرفاته.  
  • مآسي غزة ولبنان والعراق منذ الحرب الأمريكية المزعومة على “الإرهاب” فتحت الباب واسعا أمام الحديث عن الطائفية والمشاكل التاريخية بين السنة والشيعة، وتحوّل العدو في خارطة الشرق الأوسط الجديد من المحتل الصهيوني إلى قلب طهران، معقل الفرس ومحضن الشيعة، وكشفت مأساة العراق حقيقة خطيرة، وهي أن المسلمين: “سنة” و”شيعة” يمكن لهم أن يشكّلوا أفضل ضمان لعدم استقرار المنطقة وتشتيت جهود سكانها المتطلعين إلى الحرية وطرد المحتل، أمريكيا كان أو إسرائيليا، لانشغالهم بالفتن الطائفية والقتل على الهوية ومآسي التاريخ الدموي الطويل بين الشيعة والأمويين أولا، ثم بين العلويين والعباسيين ثانيا.
  • لقد تحوّل الشيعة إلى عدو سنّي بامتياز، وبشكل يُعدُّ هو الأخطر في تاريخ العلاقة بين الطائفتين، وحتى العلماء الذين قضوا عقودا من أعمارهم في الدعوة إلى التقارب بين المدرستين والنحلتين والطائفتين انقلبوا على جهودهم السابقة وانساقوا في حملة “فوبيا التشيع”، لتختلط المعالم، ويتيه الرأي العام بين مطالبه التحررية وثقل الموروث التاريخي الضاغط عليه باسم السلطة الدينية التي بدأت تؤسس لخطاب جديد يقضي على كل أشكال الوعي الحضاري المطالب بحكومات عربية أقل ظلما وأكثر عدلا في تسيير شؤونهم وفي توزيع ثرواتهم.  
  • وفي ظل هذه “الفوضى الهدامة”، وليس “البنّاءة” التي بشّر بها المحافظون الجدد، كان الدين هو المشجب الذي تُعلّق عليه سقطات الأنظمة التي لا تعبأ بالشريعة إلا إذا كانت متماشية مع أهوائها، ولهذا نتج لدينا كم هائل من النتائج غير المترابطة ولا المتناسقة: فمقاومة حزب الله “شيعية” تخدم نظام آيات الله في طهران، ولهذا أحجموا عن مناصرتها، ومقاومة حماس “حزبية” تخدم نظام دمشق وترتبط بخيط رفيع مع إيران، ولهذا أغلقوا دونها معابر رفح، وسقوط النظام العراقي “السني” ـ ذي الخلفية البعثية ـ تم بمباركة “سنية” خليجية احتضنت أراضيها القواعد العسكرية الأمريكية، والمقاومة ضد المحتل السوفييتي في أفغانستانجهادتمارس له الدعاية، في حين أن المقاومة ضد المحتل الأمريكي في أفغانستانإرهابتمارس عليه الدعاية!!
  • هذه الأحجية الملغّمة هي التحدي الحقيقي الذي نواجهه جميعا في العقد الأول من الألفية الثالثة، ولن نتقدم للأمام قيد أنملة ما لم نحل عُقَده ونرسي معالم عقد جديد من أجل “التعايش” بين جميع الطوائف، بما أن جهود التقارب بين المدرستين باءت بالفشل، وبما أننا أمة تنتقد كل شيء ولا تنتج أي شيء.

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!