الرأي

من “أميرٍ للمؤمنين” إلى ملكٍ مفترِس

من أبشع ما يُسمع أو يُقرأ أن يُطلق لقبٌ جميلٌ، أو نعتٌ نبيلٌ على من ليس أهلا له، بل قد يكون حالُه مناقضا لذلك اللقب أو النعت، وهذا من الظلم للمعاني، وهو أشدّ وأنكى من الظلم للمباني.
من ذلك أنَّ من أشرف الألقاب عند المسلمين لقبَ “أمير المؤمنين”، ويكفي هذا اللقبَ قيمةً ومنزلة أن أولَ من أطلِق عليه هو الخليفة العملاق بمبادئه وأفكاره وأفعاله وهو عمر بن الخطاب، حتى إن العالمَ الأمريكي مايكل هارت في كتابه “المائة الأوائل” جعل عمر بن الخطاب ضمن هؤلاء المائة الذين أثَّروا في التاريخ البشري كله، ولا نوافق على الرتبة التي وضعه فيها، لأننا نعتقد –عن يقين- أن عمر بن الخطاب يأتي بعد محمد –صلى الله عليه وسلم– الذي احتلَّ عن جدارة واستحقاق الرتبةَ الأولى، كما أكد هذا العالمُ الأمريكي.

وجاء حكَّامُ المسلمين عبر خمسة عشر قرنا، حمل كثيرٌ منهم لقبَ “أمير المؤمنين”؛ ولكن أكثرَهم لم يكونوا أهلا لذلك اللقبِ الشريف، لأنهم كانوا “لعنة” على الإيمان والإسلام، ونكبة على المؤمنين والمسلمين، حتى إنه ليمكن إطلاقُ قول الشاعر على كل واحد منهم:

وكنت فتى من إبليس فانتهى بي الحالُ حتى صار إبليسُ من جندي
من هؤلاء “أمراء المؤمنين” الذين كما قال الشاعرُ اليمني عبد الله البردوني:
يشرون بالذُّلِّ ألقابا تسترهم لكنهم يسترون العارَ بالعار

من هؤلاء “جارنا”، الذي “لا نأمَنُ بوائقَه”، خاصة بعد تولّيه أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا، برغم ادِّعائِه أنه “أميرٌ للمؤمنين” به، وادِّعائِه أنه من آل محمد – صلى الله عليه وسلم– الذين لا نشكُّ في أنهم يتبرأون من ذلك، خاصة بعد ما شاهد الناسُ في المشارق والمغارب تلك الصورَ الفاضحة التي تُظهر “أميرَ المؤمنين” أقربَ إلى (…) منه إلى عالم الشرفاء فضلا عن الأشراف.

إن النسب الطّيني لا قيمة له في حكم الشريعة إذا كان خُلُقُ صاحبه وعملُه غيرَ صالح، ودليلُنا على ذلك قول سيدنا نوح –عليه السلام– كما جاء في القرآن الكريم، مخاطبا الله – عز وجل “وقال نوحٌ ربِّ إن ابني من أهلي”، فردَّ عليه الله – سبحانه وتعالى بقوله: “يا نوح إنه ليس من أهلك، إنه عملٌ غير صالح…”، فالله –عز وجل– لم ينفِ نسبة الابن إلى نوح، ولكنه نفى أن يكون من أهله من حيث العمل الصالح… وسيِّدُنا محمد – صلى الله عليه وسلم– الذي يدَّعي محمد السادس أنه من “آله” يقول: “من بطَّأ به عملُه لم يسرع به نسبُه”. وكيف يكون “هذا” من ذلك وهو “يُركِع” له عبادَ الله في صورةٍ مقززة، منفِّرة… ليس فيها مثقالُ ذرةٍ من كرامةٍ بشرية؟.. لقد ازددتُ إيمانا ببراءة محمد – صلى الله عليه وسلم– من هذا المنتسِب إليه بعد ما أنهيتُ قراءةَ كتابِ “الملك المفترِس” (Le roi prédateur) الذي ألّفه الصحفيان الفرنسيان كاثرين قراسيي وإيريك لوران عن “أمير المؤمنين به”، هذا الكتابُ الذي ما أن أنهيت قراءتَه حتى شاب ما بقي أسودَ من شعري لهول ما قرأت. وأنهي هذه الكلمة ببيتَيْ الشاعر اليمني البردوني:

وأضيَعُ الناس شعبٌ بات يحرسه لصٌّ تستره أثوابُ أحبارِ
في ثغره لغةُ الحاني بأمَّته وفي يديه سكِّينُ جزّارِ.

مقالات ذات صلة