الرأي

من الغوطة إلى درعا.. شعبٌ بلا مأوى

تأبى روسيا، حاضنة النظام السوري، دفاعا عن آخر قواعد نفوذها في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، أن تلجأ إلى خيار آخر غير خطة “الأرض المحروقة” في استعادة مواقع تتحكم فيها المعارضة المسلحة.
لقد تناست أمام مخطط تعزيز مواقعها، أن درعا جزءٌ من اتفاق تهدئة متفق عليه بين الأردن وروسيا والولايات المتحدة في عمان في جويلية 2017، متخلية عن التزامها الأخلاقي بهذا الاتفاق الساري حد هذه اللحظة.
وكأنها تدرك أن الأطراف ضامنة الاتفاق لا تملك القدرة على إجبارها على الوفاء بالتزاماتها، فأمام القوة العسكرية التدميرية، تلتزم “دبلوماسية الاتفاقيات” الصمت، طالما خلا الاتفاق من بند استخدام قوة رادعة تجبر الطرف المتمرد على الالتزام به.
هذه هي درعا تحترق، ويهجرها أهلها، إلى أماكن مجهولة بعيدا عن حمم البراكين المتساقطة من سماء سورية غطتها طائرات روسية، استضعفت شعبا، تأكله الحرب منذ سنوات، وتفتخر بانتصاراتها في حماية نظام لا يأبه بمشاهد الموت التي تحصد شعبه الأعزل.
ماذا يريد فلاديمير بوتين؟
إخلاء مدينة من أهلها، قتلا وتشريدا، ليخلو المكان لقواعده العسكرية، الباحثة عن عمق استراتيجي، يعيد الهيبة الفارغة إلى إمبراطوريةٍ منهارة؟
طائراته المقنبلة لا تفرق بين مستشفى أو حي سكني، كما لا تفرق بين مقاتل مدجج بالسلاح، ومدني أعزل.
لم تهدأ نيران الغوطة التي أشعلها بالأمس القريب، حتى ارتبطت بنيران مدينة درعا المنكوبة!
الصراع يتسع، ومفاوضات جنيف لم تُجدِ نفعا، كاشفة عن فشل أيِّ عملية سياسية تهدئ حرائق المدن المشتعلة، وأضحى مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا مثل طائر دبلوماسي لم يجد مهبطا آمنا يريحه من عناء التحليق.
وتغريدات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس المحذرة من خطر امتداد الخطر نحو دول مجاورة، لم تحرك سواكن القوى المتفرجة على هول كارثة إنسانية تحصد كل شيء حي فوق أرض مكشوفة.
ما جدوى دعوات غوتيريس جميع الأطراف إلى “احترام التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، وحماية المدنيين، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية بأمان ودون عوائق”؟
120 ألف نازح غادروا درعا، لم يجدوا من يستقبلهم بما يحملونه من مأساة، الأردن سارعت إلى غلق حدودها، فلم تعُد قادرة على استيعاب أكثر من مليون لاجئ، في ظل شحِّ مواردها، فأصبح تنقل النازحين يقف عند أبواب مغلقة، إغلاقها عرقل وصول حتى المساعدات الإنسانية اللازمة لإدامة الحياة.
أفواج النازحين تتزايد ولن تجد مكانا يؤويها، بعضها نصب الخيام على أبواب الحدود مع فلسطين المحتلة، وتبجحت “إسرائيل” بتقديم المساعدات الإنسانية معتذرة عن السماح بدخول النازحين أراضيها.
كارثة إنسانية لن يتحمَّل مأساتها غير النظام السوري، الذي بسط أرض سوريا الشهباء، لقوى كبيرة ومشاريع إقليمية تدميرية، وطرد شعبه إلى غياهب المجهول!

مقالات ذات صلة