الرأي

من اللعب إلى.. اللهو!

ح.م

الطوابير الطويلة التي صنعها عشاق وعاشقات، فن المغني عبد الرؤوف الدراجي، الذي غيّر “رأفة” و”درجة” اسمه، إلى “سولكينغ”، وكلهم من الشباب الذين كان بينهم هنا في الجزائر، “رؤوف” شاب مغمور لا يسمع لأغانيه إلا “الدراجي”، وبمجرد أن اصطبغ هناك في فرنسا، بصفة “مهاجر”، حتى صارت تُشدُّ إليه الرحال، وبدا ملعب 20 أوت بالعاصمة غير كاف لحشد عشاق أغانيه، ولا ثمن 1200 دينار مبالغا فيه، مادام الملايين مستعدين لدفع أكثر من هذا المبلغ المالي، لمتابعة أغاني “ليبيرتي وأمستردام وداليدا”، وهم نفس الشباب الذين تغنوا طوال شهر كامل، بما فعله أبناء المهاجرين في القاهرة، عندما أحرزوا بطولة أمم إفريقيا، فتحوّل بلماضي ومحرز وماندي وفغُّولي وآندي ديلور… إلى أبطال قوميين، ومنهم من لم يحط قدمه في الجزائر إلا بعد التتويج باللقب.
لا جدال في أن الفن الذي كان يقدّمه عبد الرؤوف الدراجي عندما كان غارقا بين الطبل والمزمار في الجزائر، يختلف عن الاحترافية التي يسبح فيها الآن في فرنسا، كما أن ما تعلمه محرز وقديورة ووناس… في المدارس الكروية الفرنسية يختلف عما يدحرجه الجزائريون من كرات في الشوارع الضيِّقة في العاصمة أو في غيرها من مدن وقرى الجزائر، فقد كان اسم الشاب خالد لا يُذكر بين الأب وابنه، ويكاد يكون مرادفا لكلمة سوقية، عندما كان يؤدي أغانيه في وهران، وبمجرد أن أطلق “دي دي” و”عيشة” من باريس، صارت تُصرف براميل من النفط لأجل أن يقف في مسارح الجزائر وقاعاتها، ولا يُطلق عليه أي اسم غير “الكينغ” أو “العالمي”.
دعونا نعترف بالقيمة الفنية والرياضية لهؤلاء مقارنة بما هو موجود هنا من فنانين ورياضيين، ودعونا نبحث للواقفين في طوابير حفلة “سولكينغ” عن أعذار، ونعتبر على الأقل مباريات الكرة وحفلات “سولكينغ” و”آلجيرينو”، هي جسور تواصل بين جزائريي الداخل والخارج، ولو من مخالفة محرز أو نغمة “سولكينغ”، ولكن من حقنا أن نسأل عن مكانة بقية الملايين من المغتربين من الذين يبدعون في الهندسة وفي الاقتصاد وفي الطب، ولماذا لا تبذل بقية القطاعات الصناعية والفلاحية والجامعية، أي جهد من أجل أن تجمعهم بالجزائر من خلال محاضرات أو أيام تكوينية أو حتى زيارات تعارف؟
لا يمكن أن نختصر حياتنا واعتزازنا بالناجحين من أبنائنا في الخارج في لعب الكرة ولهو الغناء، وأن يبقى أشهر من نعرف ونمجّد هم مامي وخالد وبلماضي وبراهيمي… ونحن نعلم بوجود عباقرة في مختلف المعارف يقدِّمون حلولا لأزمات اقتصادية وعلمية هناك، ولا أحد يئنّ للوباء الذي تمكّن من بدن الجامعات الجزائرية، أو لانهيار الاقتصاد الجزائري أو لضياع الشباب الجزائري هنا، فمن غير المعقول أن يتحدّ الجزائريون كرجل واحد لأجل خطف لاعب كرة نجح في فرنسا، ويقفون في الطابور لأجل مغنٍّ أبدع في أوربا، ولا يلتفتون إلى الآلاف من الدكاترة والمخترعين والمهندسين الذي يساهمون في الثورات العلمية في بلاد الغرب.
ألم يحن الوقت لنلتفت إلى الجدّ، بعد أن ضعنا بين “اللعب” تارة و”اللهو” أخرى؟

مقالات ذات صلة