الرأي

من المتسبّب في حريق “كاليفورنيا” الجزائر؟

الحوار المطوّل جدا، والصادم جدا، والمستفز جدا، الذي خصّ به السيد خالد نزار الشروق اليومي، أكد بأن الجزائر بلغت درجة من “فقدان الوعي” حتى تخالها، بلاد فريدة من نوعها في العالم، فهي أولا لا تحاسب المذنبين في حق الأمة، ولو من باب المساءلة العابرة فقط، ولا تتابعهم ثانيا حتى ولو اعترفوا بذنوبهم أمام الملأ، واعترفوا بأنهم ارتكبوها مع سبق الإصرار والترصد، حتى صار الاعتراف في عُرفها، ليس سيدا للأدلة، بل إنه ليس دليلا على الإطلاق.

الرجل قال بالحرف الواحد: إنه كان ضمن الرجال، الذين وقفوا في وجه الطامحين للرئاسة، بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، وإذا كان الحاجز “المزيّف” الذي صنعه في وجه الساسة يمكن التغاضي عنه واعتباره ضمن المعارك “المباحة”، فإن ما قاله عن السيد  بلعيد عبد السلام، يبدو صادما، لأن بلعيد بعد رحيل هواري بومدين، أخرج من درجه برنامج عمل زراعي عبر شراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، تضمن تحويل الجزائر إلى كاليفورنيا جديدة، من خلال توفير الغذاء بكل بروتيناته ومعادنه وأملاحه، لأزيد عن مئة مليون نسمة، ضمن استعمار غذائي جزائري لما يحيط بها من أمصار، وبدا خالد نزار معترفا بأن البرنامج الناجح المبني على تكنولوجيات جديدة وضمانات اقتصادية، الذي كان سيمنح الجزائر بترولا خالدا، تم إجهاضه بسبب خلافات سياسية مع بلعيد عبد السلام، وتصفية حسابات قديمة، ولم ير الرجل مشكلة في أن يعترف بعد مرور سبعة وثلاثين سنة، بأنه هو من “أحرق “الأرض الخصبة ومنع عنها غيث الثروة والثورة الحقيقية نحو حرية لقمة العيش، التي كانت ستغنينا عن حياة “السُكر والعبث” التي عشناها في زمن البحبوحة المالية من ريع النفط، وعن حياة “البسيكوز والهذيان” التي نعيشها الآن في زمن شحّ أسعار النفط.

لقد أجهضت الجزائر الكثير من المبادرات الجادة لأجل الخروج من استعمار البترول، فتبنّى هواري بومدين لوحده، مشروع السد الأخضر الذي قدمه له مفكر الأمة مالك بن نبي، فأدخله “العنترية الذاتية” الزائفة فذبلت أشجاره في جذورها، ووأد خالد نزار “كاليفورنيا القارة السمراء”، من دون شعور بالذنب، وحوّل من جاؤوا من بعده، الجزائر، إلى حانة كبرى، رُعاتها يسقون زبائنها من الشعب من نخب البترول، وهم يصيحون: هل من مزيد؟ في حالة سُكر، قد لا تكفي الصدمة العنيفة الحالية في سوق النفط ،لأجل أن يصحوا من واقعهم الاستهلاكي الذي تحوّل إلى مرض مزمن، في بلد لم يعد في حاجة إلى فتح تحقيقات لمعرفة المذنب مِن البرئ، بعد أن توالت الشهادات الجاهزة والاعترافات الجهرية، وصار واضح فيها بأن الذي تقمّص دور محامي نفسه عن تهم لا أحد يعرفها، أصبح نائبا عاما ضد نفسه، من دون أن يدري، ولكن للأسف في غياب قاضي الجلسة؟

مقالات ذات صلة