الرأي

من المسؤول عن صناعة الأزمات التي عصفت بالجزائر؟

تشهد الجزائر منذ نحو ثلاث سنوات توالي جملة من الأزمات العميقة والمباشرة والحسَّاسة والمصطنعة، التي كادت تعصف بما تبقَّى من آخر رمق وبصيص أمل ورجاء في قلوب الشعب الجزائري تجاه بلاده ووطنه، التي عشقها حد العبادة بالرغم من معاناته الحياتية واليومية في سبيل تحقيق الحدود الدنيا من العيش غير الكريم.

ولستُ هنا في معرض مناقشة فقه وإدارة الأزمات من الناحية العلمية والمعرفية والسياسية، لأنه مجالٌ بحثيٌّ واسع له الأعلام المتخصصون فيه، ولكن من خلال خبرتي وقراءاتي الامتدادية المتنوعة والواسعة كوّنت رؤية جزائرية خاصة في إدارة ملفات الأزمة في بلادنا التي مازالت للأسف الشديد تتلمس شعاع النور الذي سيُخرجها من حضيض التخلف ووهدة التبعية لمستعمِر الأمس.. منذ أن عصفت بها أزمة تصفية المئات من القادة والمجاهدين من رموز التيار العربي الإسلامي في الثورة سنوات 1956 و1957م و1958م، إلى أزمة الصراع بين الحكومة الجزائرية المؤقتة الفرنكوفونية والفرنسية الاتجاه مع قيادة الأركان بقيادة الراحل الرئيس هواري بومدين منذ مؤتمر طرابلس 1963 ومؤتمر الجزائر 1964م، والإطاحة بالرئيس الراحل أحمد بن بلة في انقلاب 19/06/1965م، وتسميم الراحل بومدين المفضية إلى وفاته سنة 1978م، ثم أزمة الانقلاب على الخيار الشعبي في جانفي 1992م وإجبار الراحل الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة، وهيكلة المجلس الانتقالي وتوالي الحكومات منذ حكومة العقيد محمد بن أحمد عبد الغني وقاصدي مرباح ومولود حمروش وسيد أحمد غزالي الذي كاد يبيع آبار البترول للغرب.. ورضا مالك ومقداد سيفي واسماعيل حمداني ووصولا إلى الرباعي أحمد أويحيى، عبد العزيز بلخادم، عبد المالك سلال، أحمد بدوي برفقة رمطان لعمامرة العائد مجددا وغير المرغوب شعبيا حسب الدراسة الاستسبارية التي أجريناها مع عيّنة عشوائية من الجمهور المدروس بعد تعيين الحكومة الأخيرة.. وصولا إلى حكومتي الدكتور عبد العزيز جراد الراحلة وحكومة أيمن بن عبد الرحمن الحالية…

ولعلني في خضم هذه الشروحات والمعطيات ولاسيما من القيم والمبادئ المتعارف عليها علميا ومنهجيا وسياسيا وواقعيا.. أنبِّه إلى أنه من غير المعقول ما حصل في الجزائر طيلة هذه السنوات السياسية الثلاث العجاف، وأنه حسب المعطيات العلمية ونظريات قيام وانهيار الأمم والشعوب وتحطيم الدول.. لا يمكن تصنيف ما حصل من أزمات تفسيرا بريئا أو اعتياديا أو طبيعيا، فقد أحصيت الأزمات التالية: 1- أزمة السيولة، 2- الحليب، 3- السميد، 4- الدجاج، 5- السمك، 6- البطاطا، 7- انقطاع المياه، 8- انقطاع التيار الكهربائي، 9- انقطاع شبكة الانترنيت، 10- الحرائق المهولة، 11- الفيضانات الكارثية التي لم تمتلئ السدود جراءها، 12- ارتفاع الأسعار الفاحش… ناهيك عن الأمراض المستشرية في كيان السلطة وفي مسؤوليها وإدارييها –حسب وسائل الإعلام السلطوية نفسها- الذين يتعينون في المنصب بعد تحقيقات وافية عن سيرتهم العطرة والطيبة الزكية.. ثم تكتشف السلطة نفسها بنفسها أن العديد منهم مجرد لصوص وناهبي أموال وأملاك الشعب الجزائري المقهور.. وتحيلهم إلى العدالة، ومن باب التندُّر والمزاح أن كثيرا من هؤلاء المسؤولين القابعين في السجون وقَّعوا لي أنا الكاتب الشريف المكافح الكثير من الشهادات الشرفية التي كنت أجمِّلُ بها جدران مكتبتي بتبسة، والآن قمت بتكسيرها والتخلص منها.

والآن نتساءل بعد هذه الإطلالة المعرفية والعلمية الضرورية إلى أنني من خلال العدد الهائل من نظريات حكم وسياسة الشعوب (فرعون، النمرود، هامان، الاسكندر المقدوني، الجويني، الغزالي، ابن خلدون، مالك بن نبي، شبنجلر، توينبي، غوبلز، هيدغر، سارتر، كامي، ردنسون..).. تبيَّن لي أن هذه الأزمات لا تخرج عن ثلاثة من المبادئ التي أرسى دعائمها (الاسكندر المقدوني 332 ق.م)، مع إضافة مبدإ لوزير دعاية المجرم هتلر، وهي: 1- (جوّع كلبك يتبعك)، 2- (العصا والجزرة)، 3- (فرق تسد)، 4- (أكذب ثم أكذب ثم أكذب يصدقك الناس)..

وقبل أن نعرض نتائج الدراسة الميدانية حول حقيقة ومصدر هذه الأزمات، نودُّ أن نشير إلى السؤال المهم الذي يطرحه كل المحللين عند تحليلاتهم واستنتاجهم لأي حدث يقع، ومفاده (من المستفيد من هذه الأزمة؟).. وقبل أن أعرض نتائج الدراسة الميدانية التي تناولت قرابة (300) ثلاثمائة عينة عشوائية، نتساءل قائلين:

1 –ما هي فائدة الشعب الجزائري عندما يقف بالطوابير أمام مراكز البريد ولساعات طويلة، ثم لا يجد سيولة؟ ومن المستفيد من استمرار الأزمات المذكورة: 1- أزمة السيولة، 2- الحليب، 3- السميد، 4- الدجاج، 5- السمك، 6- البطاطا، 7- انقطاع المياه، 8- انقطاع التيار الكهربائي، 9- انقطاع شبكة الانترنيت، 10- الحرائق المهولة، 11- الفيضانات الكارثية التي لم تمتلئ السدود جراءها، 12- ارتفاع الأسعار الفاحش… الشعب أم السلطة الحاكمة التي شغلت الناس بإيجاد الحلول لحياتهم اليومية التعيسة؟

وإليكم نتائج الدراسة الميدانية التي أجابت عن السؤال الآتي (من المستفيد من هذه الأزمات: الشعب أم السلطة؟).

1-  الفئة الغالبة وتقدر بـ(%90) يصرحون بأن  السلطة عندهم مصدر الفقر والحرمان والتخلف.. بل هي مصدر تعاستهم وشقائهم.. وأن هذه الأزمات عصفت بمدّخراتهم ومستقبلهم وما بقي في جيوبهم.. وأن السلطة هي المستفيد الوحيد من خلق هذه الأزمات…

2– فئة تقدر بـ(02%) تعتبر أن جهل المواطن هو السبب في هذه الأزمات..

3– فئة تقدر بـ(02%) تعتبر وجود لوبيات خفية تريد عرقلة الجزائر وتقدمها ونهضتها.

4–  فئة تقدر بـ(05%) تعتبر وجود أياد تتآمر على مشروع الرئيس.

5- فئة تقدر بـ(01%) تعتبر سبب هذه الأزمات لعرقلة عمل الحكومة.

والمحلل المتابع والمهتم بهذه النتائج سيعرف اتجاهات الرأي العام الوطني تجاه السلطة، وسيكتشف أن النسب الضئيلة والمنخفضة جدا تعود إلى القوة التي تعتمدها السلطة في سائر مشاريعها واستحقاقاتها، ويمكن أن تتضاءل وتضمحل في يوم من الأيام.. وهنا وجب على السلطة ألا تتهاون في التعرُّف على اتجاهات الرأي العام لدى الشرائح الواسعة من الشعب، لأنه مصدر عزها وقوتها وسؤددها ورفعتها..

أللهم اشهد أني بلّغت..

مقالات ذات صلة