-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“من النهر إلى البحر”.. صفعة أخرى للتطبيع!

“من النهر إلى البحر”.. صفعة أخرى للتطبيع!

ربّما يغيب عن علم الكثيرين من العرب أن شعار “فلسطين من النهر إلى البحر”، مع أنه يرمز فعليّا إلى الجغرافيا التاريخية للشعب الفلسطيني الواقع اليوم بين الاحتلال والشتات، إلا أنّ الغرب المتحيز للكيان الصهيوني يدرجه ضمن أفعال وأقوال “معاداة السامية”، فهو تهمة جاهزة عنده، باعتبارها تعني “محو إسرائيل وإنكار حقها بالوجود”.

لكن عندما تردُ العبارة نفسها في سياق احتلالي استيطاني، على لسان مسؤولي العدوّ الإسرائيلي، فإن قادة الغرب، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، يلوذون بالصمت المطبق، حتّى وهم يرفعون كذبا وزورا شعار “حق الفلسطينيين في قيام الدولة”، وفق لوائح الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية التي يحتكمون إليها في الظاهر.

ولا ندري أيّ أرض ستقوم عليها تلك الدولة الفلسطينية بسيطرة الاحتلال من النهر إلى البحر، لو لم تكن القصة الدبلوماسية وما فيها مجرد لعبة تلهية كبرى، في إطار ربح الوقت لتنفيذ المشروع الصهيوني كاملا في المنطقة.

في جولته الأخيرة بالشرق العربي، أبلغ وزير الخارجية الأميركي،  أنتوني بلينكن، المسؤولين الإسرائيليين، في إطار التحضير لما بعد الحرب العدوانية في غزة، أنه يتعيّن عليهم قبول “حلّ الدولتين” مقابل التطبيع الشامل.

ومع أنّ العرض جاء ضمن خطوة وخطة أمريكية، برأي المراقبين، لإنقاذ ربيبتها من مستنقع المقاومة، حيث لا حلّ عسكريّا ضد حماس، وفق تحذيرات الأمريكيين أنفسهم، إلّا أنّ رئيس وزراء الكيان الصهيوني رد على حلفائه بالقول: “إنه يتعين على إسرائيل السيطرة من البحر إلى النهر، ولن تقبل إقامة دولة فلسطينية في إطار أي سيناريو لمرحلة ما بعد الحرب”.

من المهمّ التعامل بجدية كاملة مع موقف نتنياهو المعلن من دون مواربة، لأنه وحده ما يشكل الواقع التاريخي والمستقبلي للمشروع الصهيوني، إلا إذا نجحت المقاومة الفلسطينية في قطع الطريق أمامه.

النتيجة الرئيسيّة في تصريح رئيس وزراء العدوّ أنها تكشف كل الأوراق فوق الطاولة بكل شفافيّة، لتعرية لعبة الأمم المتحدة ومجلسها للأمن وأجهزتها القضائية ويفضح الكواليس الدوليّة العبثية وكل مسارات المفاوضات الفارغة والخطابات العربية الحالمة بالسلام والتطبيع والتعايش في المنطقة.

مشروع إسرائيل الكبرى لم يعد حلما تلموديّا أو بندا سريّا على قائمة بروتوكولاتها الخفيّة منذ مؤتمر بال بسويسرا في 1897، بل هو واقع ميداني تنفذه بقوة النار والدمار ضد إرادة الجميع، وكل الآليات الدولية المنوط بها حفظ الأمن والسلام الدوليين ليست في نهاية المطاف سوى أدوات جائرة، لإسنادها في معركتها الوجودية باسم حق الدفاع عن النفس، أو في حالة شلل وظيفي يتيح لها العربدة العسكريّة أمام شعب أعزل وأنظمة عربية خائرة وخائنة.

في كل الأحوال، لم نكن لنصدق وعود الأمريكيين بـ”حلّ الدولتين”، مع أنه ليس منصفًا تاريخيّا للقضية، ليقيننا أن الغرب لن يسمح بذلك، لأن وجود دولة فلسطينية كاملة السيادة هو قرار خطير ضد المشروع الصهيوني الذي يرعاه في المنطقة، وكل ما يسوّقه بهذا الصدد يبقى مجرد ذر للرماد في عيون العرب ومساعدة لحكامهم على تهدئة الشعوب التائقة لحرية فلسطين.

لكن حتى لو افترضنا أنّ “حلّ الدولتين” خيار ممكن التحقّق، فإن الإسرائيليين قد قدموا أخيرا جوابه النهائي على الهواء، لكل من أغمض عينيه عن حقائق المشروع الصهيوني، ورغب في نيل الكرامة واستعادة الأرض بدبلوماسية الاستجداء في المحافل الدولية، من دون قوة تسندها في وجه الاحتلال.

لذلك صار لزاما على السلطة الفلسطينية، أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد مبادرة المقاومة إلى إطلاق معركة طوفان الأقصى، الانحياز إلى جانب الشعب الفلسطيني في كفاحه المسلح والإعلان عن حلّ سلطة وهمية متورطة في خدمة الاحتلال، ويكفيها سراب ثلاثة عقود من اتفاقيات أوسلو المشؤومة، والتي التهمت “إسرائيل” لاحقا ما انبثق عنها من حدود شكليّة وتجاوزت كل نتائجها ميدانيّا ولم يعد لها من مبرر قانوني ولا سياسي ولا وطني سوى العوائد المالية لمسؤولي سلطة رام الله وأعوانهم.

على الفلسطينيين التوحد مجددا تحت غطاء منظمة التحرير بعد تفعيلها وتوسيعها بلا إقصاء ولا تمييز، في إطار رؤية وطنية ترتكز على مشروع المقاومة بكل أشكالها.

أما “مبادرة السلام العربية”، المعلنة منذ قمة بيروت عام 2002، فقد حان الوقت لإحالتها على المتحف، لأنها صارت في ظل تطورات الواقع الذي يفرضه الكيان الصهيوني ورقة محترقة لا تصلح حتى لإحراجه أمام الرأي العام الدولي، فهو غير مكترث به.

ما معنى أن يتمسك العرب بالاعتراف والتطبيع والسلام مع العدوّ، مقابل دولة فلسطينية على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، بينما قادة الاحتلال يريدونها عمليّا وجهارا نهارا دولة دينية صهيونية من النهر إلى البحر؟ أي أنها لا تقبل حتّى باحتواء الفلسطينيين داخلها ولو أرادوا أن يحملوا الجنسية الإسرائيلية طواعيّة.

إن استمرار الأنظمة العربية، وعلى رأسها محور التطبيع الذي طالما ادّعى كذبًا وخُداعًا مساعدة الفلسطينيين على إنجاز الدولة بسياسة الواقعيّة البراغماتيّة، في تسويق فرية السلام للتخلص من عبء الواجب القومي في تحرير فلسطين، ليس إلا خيانة مقنّعة، قابلها الكيان الإسرائيلي بصفعة أخرى لأزلامه على خدّ المهانة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!