الرأي

من تحكُّم الأقلية بالشارع إلى حكم الأغلبية بالصندوق

حبيب راشدين
  • 1677
  • 11
ح.م

الدخول السياسي القوي للسلطة عبر تسريع آليات إدارة الرئاسيات القادمة يكون قد استبق ركبان الدخول الاجتماعي، الذي راهن عليه بعضهم لتعويق إصرار المؤسسة العسكرية على تنظيم الرئاسيات قبل نهاية السنة بمن حضر، ويكون قد حرم الفريق المعارِض للانتخابات من فرص الاستثمار في جدالٍ طويل حول تشكيلة الهيأة المستقلَّة لإدارة الانتخابات.

عشرة أيام كانت كافية لمراجعة القانون العضوي المنظم للهيأة المستقلة وقانون الانتخابات، وتشكيل الهيأة ودعوة الهيأة الناخبة، تسارعٌ أصاب الفريقَ المعارض بالشلل، وحرمه من فرص الاستعانة بشارعي الجمعة والثلاثاء، في وقتٍ كان الحَراك قد بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة في الجزائر العميقة وحتى في عاصمة البلاد، لأن الفرز الشعبي كان قد بدأ في وقت مبكر منذ بداية الصيف، مع انسحاب الكتلة الأكبر، وانحسار الكتلة النشيطة فيه في ولايتين مع العاصمة.

ومع أن الفريق المهزوم بات معلوما للجميع، رأسه في غيابات سجني الحراش والبليدة، وفروعه المهترئة تآكلت في إدارة حمقاء للحَراك، برفع شعاراتٍ عدمية متطرِّفة، هي التي تكون قد حملت الكتلة الأكبر من الحَراك على الطلاق مع جمع غوغائية بلا آفاقٍ سياسية معلومة، فإن الفريق الفائز المعلوم هو البلد وشعبه، الذي يكون قد خرج من هذه الهبَّة بحصيلة مركَّبة من النتائج الباهرة ليس أعلاها قطع رأس أخطبوط الفساد، ولن يكون أدناها منح البلد آلية عصرية ذات سيادة لإدارة الاستحقاقات الانتخابية بعيدا عن عبث الإدارة، هو عينه ما خرج به الأشقاءُ في تونس من ربيع مسيَّر عن بُعد بكلفةٍ عالية.

قبل خطاب قائد الأركان، الذي عبَّر فيه عن رغبة مؤسسة الجيش في تقصير عمر الأزمة بتنظيم الانتخابات قبل نهاية السنة، كنت قد استشرفت استحالة تحمُّل البلد كلفة تمديدٍ ثالث للمرحلة الانتقالية الدستورية، لأسبابٍ داخلية وخارجية تفرض على البلد إعادة إحياء وتنشيط موقع الرئاسة بسرعة، والذي سيفتح بدوره فرصة إعادة تجديد بقية مؤسسات الحكم في البرلمان والحكومة، وعلى المستوى المحلي، ويمنح فرصا أفضل لفتح حوار وطني مسؤول حول ملفات إصلاح الدولة، والاقتصاد، والتكفل بإصلاح المنظومات الخدمية والتعليمية والصحية الموبوءة، وأخيرا إعداد البلد للجلوس بندِّية على طاولة إعادة تشكيل العلاقات الدولية التي سوف تنطلق حتما في السنة القادمة.

وهذا بالتحديد ما نتطلع لسماع أجوبة مقنعة عنه  في برامج المرشحين للتنافس على خلافة الرئيس المستقيل، لأن البلد قد شهد في الشهور الستة الماضية عملية هدم ممنهجة للقواعد التي أسس عليها نظام الحكم منذ بداية التعددية السياسية بحيل من الحراك وحبل من مؤسستي الجيش والقضاء، سقطت فيه الواجهات والأدوات المسيرة خارج أحكام الدستور والقانون دون أن تسقط الدولة، حتى أن الرئيس القادم سوف يكون أكثر رؤساء البلاد حظا، بما تهيأ له من تسطيح شامل للمشهد السياسي، وجرف تام للمعوقات وبؤر التعطيل، مع تمتعه بقدر كبير من الشرعية التي سوف يمنحها له استحقاق مؤمن من العبث، غير قابل للطعن فيه بالتزوير.

وعلى خلاف الرهانات المتواضعة للرئاسيات الأخيرة في الجارة تونس، بحكم السلطة المحدودة للرئيس في النظام البرلماني، فإن الرئاسيات القادمة في الجزائر قد تتحوَّل إلى استفتاءٍ سابق لأوانه حول طبيعة نظام الحكم، بما سيرفعه المرشحون من عناوين إصلاحية، تحتاج حتما إلى مراجعة عميقة للدستور، على رأسها واجب إعادة توزيع الصلاحيات بين المؤسسات التنفيذية والتمثيلية على المستوى الوطني كما على المستوى المحلي.

فالكرة منذ الآن باتت في ساحة الناخب، الذي بوسعه أن يواصل حَراكه بفعالية أكبر عبر تجسيد سلطته الـتأسيسية في هذه الرئاسيات، وله أكثر من فرصة في الاستحقاقات التشريعية والمحلية القادمة وقد منحته شهورُ الحراك الستة الماضية فرصة التعويل على مؤسستي الجيش والقضاء كمؤسستين حليفتين تشاركانه الحرص على محاربة الفساد وملاحقة المُفسدين.

مقالات ذات صلة