الرأي

من خواطر حمزة

فأما حمزة المقصود فهو ذلك الشخص القصير القامة، العظيم الهمة، الناصع الذمة، حمزة شنوف، المعروف في الأوساط الإصلاحية باسم حمزة بكوشة.

ولد الشيخ حمزة في وادي سوف في 1907، ثم انتقل في الخامسة من عمره إلى بسكرة حيث كان أبوه يمارس تجارة، وهناك تعلم مبادئ اللغة والفقه، وحفظ كتاب الله الكريم.

لما بلغ السابعة عشر من عمره توّجه تلقاء تونس لتلقي العلم في الزيتونة حيث تخرج في 1930، وعاد إلى الجزائر مترددا بين الوادي وبسكرة..ومما أثر في عقله ونفسه تعرفه في سنة 1927 في مدينة بسكرة على الشيخ الطيب العقبي، الذي كان يقود من هناك معركة ضد الجمود والبدع والخرافات التي كان يحرسها – باسم الدين – أناس لا يكادون يدرون ما الكتاب ولا الإيمان.

لقد حضر الشيخ حمزة تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفي 1931، وصار عضوا عاملا فيها منذ 1932، إلى أن انتخب في مكتبها الإداري في سنة 1938، حيث عرّفه الإمام ابن باديس عند تقديمه أعضاء المكتب بقوله:”الشيخ حمزة بوكوشة الكاتب المعروف، والناقد اللاذع، الذي كان أصدر جريدة “المغرب العربي” بمدينة وهران بتلك الروح العربية الإسلامية الصافية الوثّابهَ، فلم تلبث أن لقيت ما يلقاه أمثالها”. (جريدة البصائر. ع 137. في  28 اكتوبر 1938. ص 2).

لم تستطع فرنسا صبرا على نشاط الشيخ حمزة فنفته إلى مدينة دلس، فأحياها بدروسه الدينية، وعلّم في مدرستها “الإصلاح” لينتقل بعدها إلى مدينة تيزي وزو، فمنعته السلطات الفرنسية من الإقامة فيها، فألحقه الإمام ابن باديس بقسنطينة ليساعده في التعليم.

وفي سنة 1937 انتقل إلى مدينة وهران للإشراف على جريدة “المغرب العربي”، ثم تبين له أن أحد المشرفين عليها (الشيخ سعيد الزاهري) يريد أن يجعلها منبرا للتشويش على جمعية العلماء، والإساءة إلى أعضائها، فترك الجريدة ورجع إلى مساعدة الإمام ابن باديس في التعليم بقسنطينة. وفي سنة 1938 انتدبته جمعية العلماء للعمل في فرنسا، فاستقر بمدينة ليون، مدعّما جهود الشيخ الفضيل الورتلاني في إنقاذ المغتربين الجزائريين من الرذائل والفسوق وأوهام الشيوعية، وذلك عن طريق الاتصال المباشر بأولئك المغتربين، وتوعيتهم، وتعليمهم مبادئ دينهم.

وقبيل الحرب العالمية الثانية رجع إلى الجزائر، وقد حاول الشيخ الطيب العقبي أن يضمه ومحمد العيد آل خليفة، وفرحات ابن الدراجي إلى جريدته “الإصلاح” التي أعاد إصدارها، فرفضوا التعاون معه..وأود أن أسجل هنا – للتاريخ – ما قاله لي الشيخ حمزة، وهو: إن الشعب الجزائري كاد يدخل جهنم لغلوه في تقديس شخصين، أحدهما عالم ديني، والآخر رجل سياسي، فأما العالم فهو الشيخ العقبي، وأما السياسي فهو ميصالي، حيث قدّر الله – عز وجل – أن يصيرا إلى ما صارا إليه فانفض عنهما أكثر الشعب الجزائري.

وعندما أخرج الإمام الإبراهيمي من الإقامة الجبرية في آفلو، وبعث نشاط جمعية العلماء كان الشيخ حمزة من أقرب وأخلص العاملين معه، خاصة بعدما أعيد نشر البصائر، حيث كان الشيخ حمزة وأحمد سحنون وباعزيز بن عمر أبرز القائمين عليها، المساعدين لرئيسها الإمام الإبراهيمي.

وفي 1956 كان يساعد الشيخ العربي التبسي في التدريس بمدرسة الجمعية في حي “بلكور”، إلى أن اعتقل في سنة 1957، لتذيقه فرنسا في معتقلاتها الجهنمية ما سيجد جزاءه عند الله.

وانطلق الشيخ حمزة بعد استرجاع الاستقلال ليبني الجزائر، فعمل في وزارة الأوقاف، وفي التعليم، وفي المجلس الإسلامي الأعلى.. وحاضر في الملتقيات وكتب في الصحف والمجلات..

وفي العام الدراسي 67 – 68 افتتح قسم باللغة العربية في كلية الحقوق فالتحق به الشيخ حمزة، حتى حصل على شهادة الليسانس، فعين مستشارا في مجلس القضاء الأعلى، ثم مارس المحاماة إلى سنة 1990، ثم فاضت روحه إلى بارئها في 1994.

وأما كلمة خواطر الواردة في عنوان هذه الكلمة فهي جزء من عنوان ديوان الشيخ حمزة، وهو من “خواطر الصبا والشباب والكهولة والمشيب”.

لقد تولى جمع هذه الخواطر الشعرية نجل الشيخ حمزة الأستاذ سهيل، وأعلم أنه جمع آثارا أخرى منها كتاب عنوانه: “ما رأيت وما رويت” وهو عبارة عن ذكريات سجلها الشيخ حمزة..والحقيقة هي أن هذين العملين يحتاجان إلى نشر جديد لما شابهما من أخطاء، ولما ينقصهما من تعاليق ضرورية.

وأختم هذه الكلمة ببعض ما كتبه الأستاذ أحمد رضا حوحو عن الشيخ حمزة، حيث قال: “لولا حرفة الأدب لنجح في التجارة، ولولا التجارة لنجح في الأدب”. “إنه اليوم تاجر ولكنه غير ناجح، لأن تجارته هواية لا احتراف، ولهذا نجده في فصل الخريف تاجر تمور، وفي فصل الشتاء تاجر قدور، وهو يمارس هاتين التجارتين على طريقته الأدبية فيسمي تجارة الخريف نثرا، والأخرى شعرا”.

“أصيب صديقنا حمزة في أيامه الأخيرة (أوائل سنة 1954) بنزعة التشكيك فأكثر من التساؤل: هل عندنا أدباء؟ هل عندنا زعماء؟ هل عندنا شعراء؟

حتى تركنا نتساءل: هل عندنا حمزة بوكوشة؟”

“الشيخ حمزة بوكوشة أديب ساخر، وناقد ماكر، جريء في أدبه، جريء في آرائه، تحتل نفسه ثورة ولكنها متزنة، أثقلت جوانبها الحكمة والعقل، قليل الكلام، كثير التفكير.. مقلّ الإنتاج ولكنه مجيد…” (1)

ومن شعره تلك القطعة التي أبّن بها صديقه الشيخ الصديق السعدي (ت 1970)، وهو أول رئيس للمجلس الإسلامي الأعلى:

أنا إن بكيت فإنما أبكي التُّقى

لو كان شرب الماء مِنّة محسن

ولقد تأمل في الحياة وأهلها

ورأى النزاهة قد تعوق أهلها

فازورّ عنها معرضا لم يتخذ

لم يتخذ غير الكتاب مؤانسا

وكذا عرفته منذ أيام الصبا

والعلم والأخلاق والآدابا

لقضى حياة ومايذوق شرابا

فرأى سرابا حولها وضبابا

ورأى التملق يفتح الأبوابا

زوجا، ولا ولدا، ولا أنسابا

والأُنس أحسن ما يكون كتابا

لا يترك القرآن والمحرابا (2)

.

الهوامش

(1) جريدة البصائر: ع: 268. في 13 / 4 / 1954 . ص 5.

(2) حمزة بوكوشة: من خواطر الصبا والشباب..ص 106

مقالات ذات صلة