-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من صور أكل الحرام في واقعنا

سلطان بركاني
  • 6831
  • 0
من صور أكل الحرام في واقعنا

لا شكّ أنّه ما من أحد منّا يقرأ حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: “يأتي على النّاس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه ماله أمن الحلال أم من الحرام”، إلا يجزم بأنّه ينطبق تماما على زماننا هذا الذي غدت فيه كلمة “حرام” أكثر كلمة تنفر منها الأسماع، وأصبح الحلال فيه هو كلّ ما حلّ في اليد، ولو كان حرامًا واضحًا لا شبهة فيه، وصار من السّهل على كثير من المسلمين أن يأخذ الواحد منهم الحرام أو يعطي الحرام، ويجد لنفسه مبرّرا من واقعه أو واقع المجتمع من حوله، ويتعلّل بأنّه ليس وحده من يُواقع ذلك!

تجد الموظّف الذي أنعم الله عليه بوظيفة مستقرّة يتمنّاها كثيرون، في مؤسّسة عامّة أو خاصّة، يصرّ على أكل الحرام بدخوله إلى مقرّ عمله متأخّرا وخروجه قبل وقت الخروج، وهو بين هذا وذاك، يسرق من وقت العمل ليُحادث ويضاحك هذا وذاك، وربّما يخرج ليجلس في المقهى ويقرأ الجريدة ويقضي وقتا ليس بالقصير بعيدا عن مكان عمله.. لا يكلّ ولا يملّ من التبرّم والتضجّر والشّكوى، ولا يجد غضاضة ولا حرجا في التحايل والكذب لأخذ العطل الاستثنائية والمرضية، وينسى أنّه بسلوكه هذا يأكل الحرام ويطعم أولاده الحرام، وأيّما جسد غذي بالحرام فالنّار أولى به.

تجد المسؤول أو المدير في مؤسّسة أو إدارة من الإدارات، يأبى إلا أن يكون قدوة سيئة للعمّال والموظّفين بتهاونه في عمله، وبتسخيره لموارد ووسائل المؤسّسة لمصالحه الخاصّة؛ يستغلّ هاتف وسيارة المؤسّسة لمصالحه الشّخصية والعائلية، في أوقات العمل وخارجها، وربّما يأخذ من المؤسّسة التي يعمل فيها الأوراق والأقلام وكلّ ما خفّ وزنه، يأخذها من المال العامّ إلى بيته وأولاده، ويسمع لنزغات الشّيطان الذي يفتيه ويسهّل له الأمر، ويعقد له المقارنات بين مسروقاته ومسروقات كبار المسؤولين، ويُنسيه أنّ لكلّ حسابَه وعقابه.

تجد التّاجر يغشّ في بيعه، فيعرض للزّبائن السّلعة الجيّدة النّظيفة، ثمّ يزن لهم من الرّديئة والمتّسخة؛ يزن السّلعة بترابها ووسخها ويتعلّل بأنّه كذلك اشتراها! يُخفي عيوب السّلعة، ويحلف بالله كاذبا ليُنفقها ويروّجها، ويدلّس على النّاس ويزعم أنّ السّلع التي يبيعها أصلية، وهي مقلّدة مغشوشة! وفي جانب آخر تجد بعض التجّار لا همّ للواحد منهم إلا أن يحقّق الأرباح التي يحلم بها، ولا يهمّه أن تكون السّلع التي يبيعها ممّا يحلّ بيعه؛ ينسى أنّ الله إذا حرّم شيئا حرّم بيعه وشراءه، فيبيع السّجائر وقد علم أنّ بيعها حرام وكسبها حرام.. يبيع الجرائد الصّفراء، جرائد الصّور الفاضحة والكلمات الهابطة.. يبيع أقراص الأغاني وأفلام الفساد والضّياع.. يبيع الألبسة الضيّقة التي تعين بنات ونساء المسلمين على التبرّج والتهتّك، وينسى أنّ الله جلّ في علاه قال: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)).. يفتح مقهى الإنترنت، ويسمح بتحوّلها إلى وكر لأصحاب الشّهوات، يسهرون بين جدرانها وفي خلواتها إلى فروع الفجر على تصفّح المواقع الهابطة وتحميل الصور والمقاطع الفاضحة، وينسى أنّه علاوة على المال الحرام الذي يكسبه من تجارة الشّهوات، ينضمّ من حيث لا يشعر إلى فئة من قال الله في حقّهم: ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون)).

تجد المقاول لا تكاد تخلو معاملاته من الرّشوة مع من يمنحونه المشاريع، ثمّ يزيد الطين بلّة فيغشّ في الأشغال، وينقص من الإسمنت والحديد، بل ويتمادى في حرمان العمّال من حقّهم في التّأمين، ويستغلّ حاجتهم إلى العمل، فيزيد في ساعات عملهم ويهدّدهم بالطّرد إن هم شكوا إلى الجهات الرقابية!.. ينسى أنّ الله يراه ويرى ما يفعل، ويغفل عن رقابته جلّ في علاه، ويرضى لنفسه أن يكون النبيّ -صلّى الله عليه وآل وسلّم- خصما له يوم القيامة؛ يقول صلوات ربّي وسلامه عليه: “ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!