من كابول إلى القاهرة .. ومن طهران إلى الرياض
كانت قاعة الفندق في طهران تعج بالحركة، والمسلمون من كل الثقافات والشعوب يتحركون، فرحين بما أقدمت عليه إيران لجهة جمع ممثلي الشعوب الإسلامية، لاتخاذ موقف من مؤتمر السلام في مدريد.. عندها التقيت ببعض من قيادات الجهاد في أفغانستان.
-
عقدان من الزمن مرّا -منذ ذلك التاريخ- في لمح البصر، تغيّر فيهما كل شيء في العالم الإسلامي والوطن العربي بشكل خاص، ولم يبق إلا الجهاد الأفغاني ثابتا، على مستوى التضحيات اليومية وعلى مستوى اتخاذ المواقف، بعد أن تبرأ كل الذين دفعوا بالشباب إلى الجهاد هناك ضمن المشروع الأمريكي في حربه ضد الاتحاد السوفياتي، وأصبح شبابنا العائد مطاردا من القوى الأمنية فاحتمى بالجبال، ثم ضاقت به السبل ولم يعد يميز بين الجلاد والضحية.
-
حركة واحدة لم تغيّر من مواقفها وقبلت أن تضحي بالدولة إلى أن تسلم جماعة آوتها وآمنتها فلم تخلف في وعدها، وهي تدفع اليوم ثمن موقفها.. إنها حركة طالبان التي يشنّ عليها هذه الأيام حلف الناتو حربا يعتبرها حاسمة لجهة دفعها للقبول بالتفاوض لإنجاح سياسة أوباما والقبول بحكومة الرئيس حامد كرزاي.
-
موقف حركة طالبان مؤسس وله مرجعيته من التاريخ منذ إعلانها عن إقامة حكومة إسلامية كما جاء في الكلمة التي ألقاها الملا محمد عمر أمام العلماء في قندهار في الربع من أبريل عام 1996، أي منذ أربعة عشر عاما، والتي من أهم ما جاء فيها إقامة الحكومة الإسلامية على نهج الخلافة الراشدة، وأن يكون الإسلام دين الشعب والحكومة، التركيز على الحجاب الشرعي للمرأة وإلزامها به في جميع المجالات، التحاكم في جميع قضايا الدولة السياسية والدولية إلى الكتاب والسنة، وغيرها من القضايا الأخرى، وبالطبع هذه لا تتسق وقرارات ومواقف بعض الدول الإسلامية الأخرى.
-
المهم أن حركة طلبان عادت من جديد إلى واجهة الأحداث، تصنع لأمتها مجدا وفخرا، وتشهد على تراجع المسلمين في مواقع كثيرة من جبهات الصراع، وهي في ذلك تتحرّك ضمن فضائها الآسيوي وتاريخها الجهادي، المدهش أن الرئيس حامد كرزاي يسعى للتفاوض معها والقبول بإشراكها في السلطة، ويستنجد في الوقت ذاته بخادم الحرمين الشريفين لاعتقاد منه بمكانته عند طالبان، ونسي أو تناسى مكانة أسامة بن لادن عند طالبان، ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد سارت على نفس خطواته، وهو ما جاء صريحا على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، حيث طالبت السعودية بالضغط على الصين لتغيير موقفها المؤيد لإيران، وهو ما رفضته السعودية، ظاهريا على الأقل.
-
عمليّا تقوم القوى الغربية بقيادة أمريكا وتأييد إسرائيل، بأعمال متعددة في وقت واحد، آخذة في اعتبار مصالحها وأساليب تحقيقها، وتتّخذ تجاه كل دولة فاعلة في المنطقة، أسلوبا يتناسب مع حجمها وقوتها ومدى تأثيرها في محيطها، مع ترسيخ قاعدة الفصل بينها وأحيانا دفعها إلى الصراع أو الحرب بينها لو دعت الضرورة لذلك، وما الخلاف، غير المبرر، بين القاهرة وطهران إلا وجها من أوجه الخلاف المتعددة التي تستفيد منها قوى الشر، وأتصور أن المصري العادي الذي يسير في شارع “مصدّق” في الدقي (القاهرة) يتساءل كل يوم عن العداء العلني بين العاصمتين، حاله في ذلك حال المثقف الواعي الذي قرأ كتاب “العودة إلى الذّات” للمفكّر الإيراني علي شريعتي والمترجم من المصري إبراهيم الدسوقي شتا، أو كتاب “إيران من الداخل” لفهمي هويدي، أو كتاب “مدافع آية الله، قصة إيران والثورة” لمحمد حسنين هيكل، مثلما يتذكّر بحسرة التاريخ المشترك مع الأفغان من خلال قراءة “الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني” تحقيق الدكتور محمد عمارة، أو حين يعمل على ترقية ذوقه من خلال أغنية أم كلثوم “حديث الروح” للعلامة والشاعر الباكستاني محمد إقبال.
-
كل هذا يدفعنا إلى القول: لا يزال الأمل قائما -عند الذين يؤلمهم حال أمتهم- في عودة، أراها قريبة، لدور مصر الحضاري، لجمع شمل الأمة من جديد، عسى الله أن يخلف قوما في السياسة يكونون على غير شاكلة الذين يريدون لها الشر أو يسعون للانتقاص منها أو يحلمون بانتهاء دورها في صناعة تاريخ أمتها، كما كانت في سابق عهدها، وذلك في حال خروجها من التيه، لأنها في العمق ومن خلال مواقف كثيرة من عناصر النخبة ملّت دور التابع، بالرّغم من رشوتها بخاطب الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى العالم الإسلامي في الرابع من يونيو 2009
-
على العموم فإن مصر جزء من الأمة الإسلامية التي تتجه نحو كارثة حقيقية، خصوصا بعد توزيع الأدوار ودخولنا في أنفاق مظلمة، أخطر من تلك التي نطارد من خلالها أهل غزة.. حتى أننا نواجه حربا ضارية في أفغانستان، لا تأمل القوات الغربية الانتصار فيها، ولكنها تراهن على قتل المدنيين لتضغط من خلالهم على طالبان، وفي إيران نعيش حربا مكشوفة تقوم على قاعدة عدم ملكية المسلمين بعد باكستان قنبلة نووية، وما القول بأن إيران دولة ديكتاتورية يحكمها الحرس الثوري، وأن منعها من السلاح النووي هدفه منع الديكتاتورية إلا محاولة لترجيح الكفة في الصراع المقبل لصالح إسرائيل.
-
نفق آخر ندخله من خلال الضغط على السعودية والدول الخليجية للمساهمة في اتخاذ مواقف عدائية تجاه إيران بكل الوسائل حتى لو كانت الحرب، التي تدق طبولها اليوم، دمارا للمنطقة كلها.
-
إن كابول والقاهرة وطهران والرياض ومعهم جميع المسلمين يركبون سفينة واحدة لن ننجو بخرقها بخطاب أوباما في القاهرة ولا بالوقوف إلى جانب من يقتلون المجاهدين في أفغانستان، ولا منع إيران من التخصيب ولا بالضغط على الرياض.. إنما ما يجعلنا نصل إلى مرفأ الأمان هو الإجابة عن السؤال التالي: هل نحن أمة شاهدة على الناس ليكون الرسول عليها شهيدا؟ الإجابة عند من يصنعون القرار ويصنعون العزة أو الهوان، لكن لن تظل الشعوب منتظرة، لأن السفينة في أمواج متلاطمة، ولن ينقذها إلا منع من يحاولها خرقها حتى تكون نهايتها الغرق أو العطب، وأن ندعو الله مخلصين له الدين، والإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل”، كما في الحديث النبوي.