الجزائر

من كواليس القمة الافريقية مع عمار بلاني: 3 هزائم سياسية وأخلاقية للمخزن المغربي

طاهر فطاني
  • 13757
  • 8
ح.م
عمار بلاني رفقة وزير الخارجية خلال القمة

عرفت القمة الإفريقية الأخيرة بأديس أبابا في كواليسها صراعات وتجاذبات، لم تظهر للعلن، تخص أساسا بقضيتين أساسيتين للاتحاد الأفريقي وهما القضية الفلسطينية وملف الصحراء الغربية.

أحداث وكواليس كشف عنها عمار بلاني المبعوث الخاص بالصحراء الغربية ودول المغرب العربي في لقاء ودي مع “الشروق”، كان فرصة للإطلاع على هزائم نكسات دبلوماسية منيت بها الرباط وحلفاؤها وكيف خاب مسعاها في تحييد المنظمة الإفريقية عن مبادئها التاريخية حيث وقف وزير الخارجية ناصر بوريطة على الحجم والوزن الحقيقيين لبلده داخل المنظمة القارية.

والهزيمة الكبرى التي لن يستطيع بوريطة نسيانها أو تجاهلها، بالرغم من محاولات الآلة الدعائية المخزنية التغطية عليها، هي تلك أخلاقية لبلد يرأس ملكه لجنة شؤون القدس، فوجد نفسه يرافع، بل ويدافع عن من يحتل مدينة القدس ويسعى بلا هوادة لتهويدها وتغيير طابعها الديني الجامع والديموغرافي المتنوع وتدنيس مقدساتها الإسلامية والمسيحية.

ورافع وزير الخارجية المغربي  بشراسة على قرار حصول “اسرائيل” على صفة العضو المراقب بالاتحاد الافريقي، والتي اعتبرها الشارع العربي أمر مؤسفا ومخجلا في نفس الوقت، علما أن الدبلوماسي المغربي سعى لإنقاذ رئيس المفوضية الافريقية موسى فكي، الذي واجه وابلا من الانتقادات، بسبب قراره الأحادي والانفرادي بمنح إسرائيل هذه الصفة دون إجراء مشاورات مع الدول الأعضاء بهذا الخصوص.

مصدرنا كشف أيضا عن وقوف بوريطة بشكل مخزي ضدّ مطلب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتيه خلال الكلمة التي ألقاها في جلسة الافتتاح، بعدم مكافأة الاحتلال الاسرائيلي على نظام الفصل العنصري والانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها في حق الشعب الفلسطيني المظلوم، بمنحه صفة العضو المراقب في منظمتهم الإفريقية التي لطالما ناضلت من أجل إعلاء قيم السلام والحرية واستقلال الشعوب المستعمرة.

وبخصوص تصريحات رئيس الدبلوماسية المغربية الذي وصف دفاع الجزائر وجنوب افريقيا عن فلسطين “مجرّد مزايدات وطنية من أقلية داخل افريقيا”، اعتبر ذات المتحدث أن بوريطة يبدو غافلا أو متناسيا، بل متنكرا لتاريخ القارة السمراء المليء بالمحطات المضيئة والمشرفة في دعم قضايا التحرّر والتضامن مع الشعوب المضطهدة وعلى رأسها قضية العرب المركزية- فلسطين-.

وفي الواقع، هذه الأقلية، كما وصفها وزير خارجية المملكة المغربية مخطئا في حساباته كعادته، تمكنت من إحباط المناورات المفضوحة للمغرب وحلفائه، وهو الأمر الذي أثار غيض وحنق بوريطة، فخرج مهاجما في إحدى القنوات التلفزيونية الغربية، الجزائر وجنوب افريقيا، بعدما كللّت الجهود والتعبئة القصوى التي قاما بها باتخاذ القمة الافريقية قرارا بتعليق منح اسرائيل صفة مراقب في الاتحاد الافريقي، فضلا عن تشكيل لجنة من 07 رؤساء دول تضم إلى جانب الجزائر وجنوب افريقيا، كلّ من السنغال ونيجيريا والكاميرون ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بغرض تقديم توصية إلى قمة الاتحاد الإفريقي التي تظل المسألة قيد النظر.

أما فيما يتعلق بالقضية الصحراوية، شكّلت القمة الإفريقية الـ 35 انتكاسة حقيقية للأوهام التي لا تزال تراود المملكة المغربية في طرد، أو على الأقل تعليق عضوية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بالاتحاد الإفريقي.
لقد كان النظام المغربي يمني نفسه، عبثا، من خلال انتخابه بمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي خلال الثلاث سنوات المقبلة، مكان ليبيا التي تخلت عن ترشيحها، بسبب تركيزها على مشاكلها الداخلية المتأزمة، بالحصول على إمكانية التأثير على قرارات المجلس وتوظيفها لخدمة احتلاله غير المشروع لإقليم دولة افريقية وعضو مؤسس للمنظمة القارية.

لكن الدبلوماسية المغربية سرعان ما أفاقت على وقع صدمة كبيرة، تمثلت في التركيبة الجديدة للمجلس التي ضمّت دولا إفريقية تجهر بمساندتها لقضية الشعب الصحراوي ودفاعها المستميت عن حقه المشروع في تقرير مصيره بكل حرية و سيادة، على غرار جنوب افريقيا وناميبيا وزيمبابوي ونيجيريا وتنزانيا وأوغندا، يقول الدبلوماسي الجزائري.

هذا المعطى كان صادما للرباط لأن التركيبة الجديدة لمجلس السلم والأمن الإفريقي لن تحدّ فحسب من هامش حركة الدبلوماسية المغربية داخل المجلس، بل وستقوّض كل مناوراتها البائسة الهادفة لطرد، أو على الأقل تعليق عضوية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بالاتحاد الإفريقي.

والنكسة الاخرى للدبلوماسية المغربية تتمثل في قرار الرؤساء الأفارقة المتضمن استحداث لجنة تعنى بتفعيل آلية الترويكا الافريقية حول قضية الصحراء الغربية المستحدثة بموجب القرار “693” الصادر عن قمة نواقشوط سنة 2018، والعمل على تمكينها من الإضطلاع بدور محفّز في حلّ النزاع الصحراوي.

وفي هذا الصدد، التزم الرئيس السنغالي الذي تشغل بلاده الرئاسة الدورية للمنظمة القارية بعقد اجتماع لهذه الآلية خلال شهر فيفري، ما يعكس حرصا حقيقيا وتوجّها جدّيا لتفعيل عملها.
وستنهي إعادة تفعيل عمل الترويكا الافريقية حول الصحراء الغربية لا محالة حالة التعطيل الممنهج الذي طال هذه الآلية منذ استحداثها، كما أنها ستضع حّدا، وهو ما سيتم العمل عليه بشكل جدّي وفقا لقرارات القمّة ال35، من التطبيق الانتقائي للقرار “693”، خاصة العمل على إعادة تفعيل مكتب الارتباط التابع للاتحاد الافريقي لدى بعثة الامم المتحدة بمدينة العيون الصحراوية المحتلة.
كما ستكون آلية الترويكا الافريقية ملزمة أيضا، تطبيقا لنص القرار ذاته، بتقديم تقرير بخصوص تنفيذ ولايتها لقمة الاتحاد، وحتى لمجلس السلم والأمن على مستوى رؤساء الدول والحكومات.

ومجلس السلم يعتبر بذلك مخوّلا قانونا، على خلاف ادعاءات المغرب، بالنظر في تطوّرات القضية الصحراوية والمساهمة في البحث عن حلول مقبولة من طرفي النزاع حول الصحراء الغربية، المملكة المغربية وجبهة البوليزاريو.

وشكلت القمة الأخيرة للإتحاد الافريقي علامة فارقة بما حملته من هزائم سياسية وأخلاقية مدوية للمغرب، ذلك أنها كشفت عورة النظام المغربي وزيف ادعاءاته بدعم قضية فلسطين قضية العرب الأولى واستعداده لمقايضتها، كما فعل سابقا في إطار اتفاقيات أبراهام، بل وبيعها بثمن بخس مقابل مكاسب ظرفية ووهمية.

كما أن القمة عزّزت اليقين لدى كل الأفارقة من أنّ عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، يقول محدثنا، لم تكن أبدا بهدف خدمة المنظمة القارية أو للمشاركة في تطوير أدائها، وإنما كانت بنيّة بث الفتنة والفرقة بين أعضائها خدمة لمصالح مغربية ضيّقة و أجندات أجنبية تتنافى كلية مع القيم التي أُسّس الاتحاد الإفريقي للدفاع عنها، لاسيما قيم مكافحة الاستعمار ودعم حق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها.

مقالات ذات صلة