جواهر

من يقبل بمطلقة تتبعها الشائعات؟!

تسنيم الريدي
  • 5683
  • 31
ح.م

أشكركم على هذا الموقع القيم، وأعرض لكم مأساتي التي بدأت منذ الصغر، فأنا لم أحظ باهتمام ولا احتواء ولا رعاية، أنا وأخواتي موجودين في هذه الدنيا مجرد وجود.

أمي بسبب تربيتها من أهلها لم تستطع تربيتنا بشكل صحيح، فوالدها كان متزوجا على أمها، وسبب الزواج طمع في مال الزوجة الثانية في قطعة أرض، وتزوجها وأرسل الزوجة الأولى عند أهلها، ولم يعد لها وجود، وعاملها أهلها بقمع لأنها بنت وخافوا من العار!

وعندما تزوج والد أمي شعرت جدتي براحة ونسيت أن تجعل لنفسها شخصية، جعلت بيتها الكل يدخل فيه، وتقدم لهم الطعام والشراب، وتعطيهم المال من غير حسبان، على حساب بيتها وأطفالها، وطمع فيهم من طمع.

جدتي كانت يدها اليسرى لا تستطيع أن تحركها جيداً بسبب إصابتها بالعين، وكانت لا تستطيع أن تتفوه بكلمة مع زوجها، فلم تكن تعرف كيف تتصرف معه وتجعل لنفسها مكانه عنده، أصبحت تسكت على حقها، وربت أمي على ذلك هدر في حقهم، اضطهاد وكسر للخواطر، اللامبالاة للمشاعر.

وأبي كان مضطهدا من أمه، كانت تضربه ليل نهار، ولا تهتم إلا بنفسها، ووالده لا يحرك ساكناً، فلا معنى للحياة في بيتهم.

بعد أن تزوج أبي وأمي، أصبح والدي يقلد والد أمي لأنه كان يعيش في بيته حياته كلها بسبب دراستها في تلك الفترة، وأبوه غير مبال، بحكم أن والد أمي هو عمه، لكن لا يسأل عن ابنه ولا يهتم بشؤونه.

أبي كان يهتم بالآخرين على حسابنا، فكان يجلس مع بنات خالتي كان في سنهم تقريباً-  ولا يهتم بأمي، وهي كانت صامتة لا تريد أن تدافع عن حقها، وتراه يجلس مع بنات أختها ومع أخواتها ولا تقول شيئاً، وكان أعمامي يعيشون في بيتنا منذ صغرنا إلى أن أنجبت أمي ثلاث من الأبناء، وأنا من بينهم، ولم يخرجوا إلا بعد أن تعرضنا للتحرش الجنسي منهم، وكانت أمي تعلم ذلك ولا تتحدث خوفاً من أبي الذي لا يصدقها أبداً، ولا يسمع لها كلمة خوفاً من أن يقول الناس زوجته تسيطر عليه.

أبي سامحه الله زوجني لابن عمتي وهو يعلم أنه سيء الخلق، فكان يريد التخلص مني ليرجع أعمامي للعيش في بيتنا، وكان الجميع يتهمني ظلماً بعد التحرش بأنني من كنت أفعل الخطأ معهم!! وعندما عاد من السفر أحضر الهدايا لجميع الأهل والأقارب والذهب للبنات وأنا لم يشتري لي شيئا!

الآن أنا مطلقة، ولم أحصل على أوراقي بسبب إهمال أبي ورغبته أن أعود لطليقي رغم علمه بمعاناتي، ولم يقف معي طوال الأربع سنوات الماضية وأنا أشكوه للمحاكم ووقف معي محام!

أصبحت أكره أبي وأمي فقد ضاعت حياتي بسببهما، فمن يقبل بمطلقة أطلق عليها والديها الشائعات التي تمس عرضها؟

راشدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً وسهلاً بكِ على صفحات جواهر الشروق.. والله أسأل أن يرزقكِ السكينة، وأن يعوضكِ خيراً عن اللحظات المؤلمة التي مررت بها خلال زواجكِ، فلا تيأسي أبداً من رحمة الله وتذكري دائماً أنه بعد العسر يسر.

في الحقيقة آلمتني رسالتكِ كثيراً، فقد قرأتها أكثر من مرة حتى أستطيع تجميع الأحداث التي مرت في حياتكِ، وفي كل مرة أقرأها أزداد حزناً، فللأسف الكثير من مجتمعاتنا الشرقية الإسلامية لا تعرف خطورة الاختلاط المفتوح في بيت العائلة، سواء اختلاط الرجال بالنساء من غير المحارم، أو اختلاط الرجال بالأطفال – فتيات وصبيان – دون رقابة من الأهل ؛ فقد انتشر في هذه البيوت زنا المحارم، والتحرش الجنسي بالأطفال، وبالطبع يتحمل الأطفال نتيجة هذه الجرائم، وتترك آثاراً سيئة للغاية في أنفسهم، بداية من عدم الثقة في النفس كأبسط أثر، والخوف من المجتمع ومن أقرب الناس، والخوف ورفض الزواج في الكبر، كما تؤثر التحرشات الجنسية بالأطفال على مستواهم الدراسي حيث يفقدون القدرة على التركيز، وتقل شهيتهم لتناول الطعام، مع كثرة الكوابيس أثناء النوم وبعض حالات الأرق مما يؤثر سلبياً على الطفل.

وأقدر معاناتكِ بما هو أكثر ألماً من قسوة الأب، وإهمال الأم بشكل غير مقبول، فلم يتربصوا بمن يفكر في إيذاء أطفالهم، فكم أتعجب من أب وأم لم يأخذوا قراراً بترك بيت تعرض فيه أبناؤهم للتحرشات من قبل الأهل مهما كان الثمن الذي سيدفعونه؟؟ فهذه السلبية كفيلة بتدمير نفسية أي طفل تعرض لمثل هذه الجريمة، ولم يقف معه أقرب الناس إليه، من هم رمز الأمان والحماية؛ الأب والأم، بل والأسوأ أن تتهمكِ الأسرة بهذا الفعل الفاحش – رغم علمه بأنكِ بريئة من ذلك – لمجرد إرضاء أهله، بدلاً من الوقوف بالمرصاد للمتحرش.

الظروف الأسرية التي عاش فيها والدكِ ووالدتكِ كفيلة يا أخيتي بأن تنشي أباً وأماً بهذا الشكل الذي عليه والديكِ من إهمال لكِ ولإخوتكِ، لكن للنظر لقوله عليه الصلاة والسلام: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليعن ولده على بره”. فالمطلوب من الأب إعانة ولده على بره بحسن تربيته ومعاملته؛ وإلا فإنه سيحاسب على عقوقه لولده، كما يحاسب ولده على عقوقه، لكن أختي عسى والديكِ قد كبرا في السن وعساكِ تلتمسين لهم العذر في سوء تربية أجدادكِ لهما، وتذكرين نفسكِ دائماً بما أوصى به الله عز وجل من بر الوالدين.

هوني على نفسكِ، كوني صابرة على ابتلاء الله عز وجل مهما كان شديداً، واحتسبي كل آلامكِ عند الله عز وجل عساها تفرج كربكِ يوم القيامة، وأنصحك حبيبتي بعدة نقاط تخرجكِ بإذن الله تعالى من الحزن والضيق الذي تعانين منه:

ـ بداية قوي علاقتكِ بأخوتكِ وأخواتكِ اللذين يعلمون حقيقة أمركِ، ويعلمون كم الظلم الواقع عليكِ، تقربي إليهم، وإن كان بعضهم قد تزوج ولديه أبناء حاولي رعايتهم بالحب والحنان الفياض الذي تحملينه في قلبكِ.

ـ أثق أن فتاة مثلكِ قد منحها الله عز وجل قدرات وإمكانات لو استثمرتها لجعلت من لحظات الألم سعادة دائمة، فالإنسان المتفائل والإيجابي هو من يصنع السعادة بيده يا حبيبتي، ولعل من أسباب شعورك بالألم، وانتباهكِ لهمسات من حولكِ هو الفراغ في الوقت الحالي، فتعالي معي الآن واحضري ورقة وقلم، واكتبي فيها ما الأسباب التي تجعلك سعيدة، وخططي لحياتكِ، اكتبي ما هي مميزاتكِ الشخصية، وما هي المجالات التي تتفوقين بها، وما هي أحلامكِ التي تودين تحقيقها فتخدمين بها الإسلام والمسلمين، وانظري في جوانب التميز عندك والتجارب الناجحة لا الفاشلة، وابدئي رحلتكِ في حياتكِ بانطلاق وحيوية، واثبتي ذاتكِ في هذه المجالات التي تحددينها وتفوقي وتألقي بها.

ـ مارسي بعض الهوايات المفيدة كأن تمارسين الرياضة، وما أروع أن تخرجي للمشي في الصباح الباكر وقت شروق الشمس – مع أحد أخوتكِ الشباب – وما أجمله إن كان على شاطئ البحر، وتتأملين في روائع خلق الله، وترمين همومكِ على الشاطئ وتعودين متفائلة سعيدة، أو قدمي للدراسة في تخصص جديد تستهوينه، ويا حبذا لو كان في مجال علوم التربية، وأكثري من القراءة والاطلاع، ووظفي نفسكِ في الخير ومساعدة الآخرين، بل وانذري نفسك لله تعالى هذه الأيام كما فعلت مريم ابنه عمران رضوان الله عليها، وانزلي للمساجد وشاركي في تربية الفتيات الصغيرات، كل هذا من شأنه أن تتركي بصمة رائعة بين أفراد مجتمعكِ ، وفي الوقت ذاته تستعدين عبر هذه الخبرات المكتسبة لكي تكوني زوجة حنونة متميزة وأماً في القريب العاجل بإذن الله.

ـ وقبل هذا وذاك عليكِ باللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، والتعوذ بالله من شيطان همه كما قال عز وجل: {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، وإهمال الوساوس السلبية فإن في الإهمال راحة نفسية وثقة عالية بالذات.

ـ عليكِ أخيتي مخالطة الناس رغم أذاهم، فإياكِ والانطواء على نفسكِ والابتعاد عن المجتمع المحيط بكِ، استمعي لهمساتهم هذه دون أن تتركي أي فرصة لها لأن تتسلل إلى أعماقكِ، أو أن تحطم ثقتك بذاتكِ وأنوثتكِ، أعرفي بقوة كيف ترسمي في دروب حياتكِ أحلى المواقف، وكيف تمدين يدكِ إلى أعالي السماء لتضيئي أبعد النجوم حتى وأن بدت مظلمة، وتذكري دينك والتزامك اللذان يمنعانكِ من الوقوف على قارعة الطريق لاختطاف أول عابر سبيل للتخلص من كلام والدكِ وأهله، أو من التخلي عن حياءكِ وعفتكِ لتضمني عشرات الشبان، أو أن تتخلي عن قيمكِ الإسلامية والمبادئ السامية في سبيل التخلص من لقب المطلقة.

ـ لا تيأسي أبداً من زواجكِ مرة أخرى، ولتعلمي أن الزواج – حتى إذا كنت مطلقة – رزق من الله تماما مثل العمل والمال والطعام، وكل مكتوب له رزقه فقد قال الله “وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ” ليس فقط ذلك بل أن الله سبحانه وتعالى قد أقسم على ذلك في الآية التي تليها وقال “وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ”. بل وقال رسولنا الكريم “وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا ينال ما عنده إلا بطاعته”. فتضرعي إلى الله عز وجل بالدعاء أن يعوضكِ خيراً بالزوج الصالح الذي يغمركِ بحبه وحنانه.

ـ ولا مانع أن تحضري مجالس العلم الخاصة بالنساء، وأن تظهري لهن بحياء ما وهبك الله من جمال وأدب، فقد يكون لواحدة منهن أخ أو ابن تبحث له عن صاحبة الدين، مع ضرورة إظهار التواضع والقناعة والمشاعر الطيبة، فيجب أن تسعى الفتاة الصالحة في تحصيل الزوج الصالح بالأسباب المشروعة بكل حياء، مع تذكير نفسكِ دائماً بأنك لم تكلفي بالتدبير لنفسكِ، لأنها من الأرزاق التي قدرها الله عز وجل حينما قال: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}، فالمؤمنة تدرك أن الله خلقها لعبادته ولا تغفل عن ذلك، وتعلم أن الله تكفل برزقها فهي لأجل ذلك مستريحة راضية لا تجهد نفسها في هذه الأمور، إنما للأخذ بالأسباب مع اليقين أن الرزق من الله.

ـ وأخيراً أخيتي إياكِ أن يحمل قلبكِ الطاهر أي مشاعر كراهية لوالديكِ، وسامحيهما على كل تقصير كان في حقكِ، وكل ظلم ألم بكِ بسببهما، وحاولي دائماً أن تتحدثي مع والدكِ عن تحريم الاختلاط، وذكريه بلطف بالله عز وجل، ذكريه بنعيم الجنة تارة، وعقوبة النار تارة أخرى.

تمنياتي لكِ بالسعادة وأرجوا أن تتابعيني بأخباركِ بين الحين والآخر.

للتواصل معنا:

fadhfadhajawahir@gmail.com

مقالات ذات صلة