جواهر
ضربها أخوها بالسكين وطردها من البيت

من ينتشل “جمعة” من الشارع؟

سمية سعادة
  • 5584
  • 35
ح.م

بإحدى مواقف الحافلات بسطيف٬ كانت تجلس فوق فراش من الإسفنج بدا متسخا للغاية وإلى جانبه بطانية ليست أكثر منه حظا٬ وخلفها وأمامها مجموعة من الأكياس تناثر من إحداها الخبز على الأرض٬ وكلما اشتدت الرياح التي عصفت كثيرا في اليوم الذي التقيناها فيه تكورت على نفسها أكثر٬ وقبل أن نتعرف على ظروفها، بدت مثل متسولة أتقنت “فنيات” التسول بحيث تعمد أكثر المتسولات اليوم إلى إيهام الناس بأنهن يقضين الليل في الشارع بافتراشهن أفرشة بالية ومسحة من الحزن تحتل تضاريس وجوههن وهو ما بدا عليه حال هذه المرأة، و لكن بعد أن اقتربنا منها اكتشفنا أنها إحدى بائسات الجزائر قذفتها رياح البؤس من مروانة التابعة لولاية باتنة إلى سطيف، حيث تقضي ليلها ونهارها متنقلة بين شوارع المدينة مثلما أخبرنا سكان الحي الذي وجدناها فيه”الليلة الماضية رأيتها تنام على الطريق الذي تعبره السيارات بسرعة وبكثرة٬ فطلبت منها أن تصعد إلى الرصيف” هذا ما قاله لنا أحد الشيوخ الذي كان متأثرا جدا لحالها، وأضاف عليه شخص آخر:”جاءت إلى هذه المنطقة منذ عشرة أيام تقريبا وكانت تتنقل بفراشها من رصيف إلى رصيف”.

جمعة أو يمينة خليفي، هذا هو الاسم الذي صرحت لنا به، كانت تستمع إلى الأحاديث التي تدور حولها  بهدوء شديد وكأن الأمر لا يعنيها وأحيانا تتلفظ بكلمات حاولنا أن نفك طلاسمها فما استطعنا لأنها كانت تتحدث بالشاوية ولا تتقن العربية إلا قليلا ٬ تقول جمعة في بعض ما فهمناه أنها تبلغ من العمر 21 سنة مع أنها تبدو في العقد الخامس وأن أخاها “السعيد” الذي كلما أتت على ذكره تبدلت ملامح وجهها وتلونت نبرة صوتها بالخوف٬ ضربها بسكين وطردها من البيت بسبب ابنتها التي تبلغ من العمر عامين والتي على ما يبدو كانت ثمرة طلاق٬ كانت” جمعة” تردد بين الحين والآخر “ضربوها” ولم نفهم إذا كان الضرب مورس عليها أم على ابنتها لأنها كانت تتحدث عن نفسها بصيغة الغائب وأن أباها متوفى وأمها التي تدعى “خروبة” مصابة بمرضي السكري والربو وأن خالها “الطاهر”رفض إيواءها فما كان منها إلا أن استقلت الحافلة واتجهت إلى باتنة التي قضت فيها أربعة أيام لتغادرها إلى سطيف٬ حيث تم نقلها من طرف الشرطة حسب أحد المواطنين من أمام عين الفوارة إلى موقف الحافلات.

لم أفعل شيئا، لم ارتكب جرما “هكذا ردت جمعة على سؤالنا عما إذا كانت ارتكبت خطأ ما جعل عائلتها تطردها من البيت، ولأنها كانت تبدو وكأنها متخلفة عقليا، سألناها إذا كانت تتناول أدوية ما فنفت ذلك٬ وقمنا بتفتيش أغراضها لعلنا نعثر على أوراق هويتها لنتصل بأهلها ولكن الأكياس المرمية أمامها كانت تحوي خبزا وجبنا ومشروبات غازية وبعض الفواكه وملابس متسخة تنبعث منها رائحة كريهة٬ وأكثر ما لفت انتباهنا أنها تحمل لعبة  مصنوعة من الفرو لم نتمكن من معرفة سبب وجودها معها، قال لنا أحد  سكان الحي: “إنها لا تعرف قيمة النقود لذلك ترفضها ولكنها تحتفظ بالأكل والفراش الذي تصدق عليها بعض الأشخاص”.  

بعد حديثنا إلى”جمعة ” توجهنا إلى مديرية الشؤون الاجتماعية من أجل التكفل بها، فأخبرونا أنه سبق لإحدى المواطنات أن اتصلت بهم وتحدثت لهم عن حالتها ووعدونا بأن المدير الموجود في مهمة عمل سينظر في قضيتها، عدنا إلى جمعة فوجدنها في مكانها والرياح تصفعها بقوة ونظراتها الزائغة تخفي خلفها قصة أكثر بؤسا من التي ذكرتها لنا٬ فمن ينتشل هذه المرأة من الشارع ويعيدها إلى دفء البيت؟ ومن ينقذها من ذئاب الليل الذين يتربصون بها؟.

مقالات ذات صلة