الرأي

من يُعاقب من؟!

محمد حمادي
  • 2809
  • 5

سلسلة الإضرابات التي تشهدها عديد القطاعات الحيوية في البلاد على غرار التربية والصّحة، بسبب تعنت النقابات من جهة، وعدم استجابة الجهات الوصية لمطالبها من جهة أخرى، ستدخل البلد في نفق مظلم، ولن تزيده إلا بؤسا وانحطاطا، بعد ما غابت لغة الحوار، وحلّ محلّها التصلّب والتشدّد في المواقف، ليُفاقم الجميع معاناة شعب، وجد نفسه يحارب على عديد الجبهات!

النقابات المستقلة التي شكلت تكتلا يضم أربعة قطاعات حيوية لمباشرة إضراب جماعي يوم الـ14 من الشهر الجاري، لبست رداء الضحية، رافعة شعار: “ما ضاع حق وراءه طالب”.  لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بإلحاح: من يعاقب هذا الشّعب الذي فقد طعم الحياة؟ المضربون الذين شلّوا قطاعات حيوية في البلاد؟ أم المسؤولون الذين رفضوا الاستجابة لمطالبهم؟

من هو الضحية في هذا المشهد السوداوي الذي يرى فيه الجميع أن حقوقه مهضومة؟ المعلم الذي يقطع أميالا مشيا على الأقدام ليصل قرية معزولة لأداء رسالة العلم والمعرفة لصالح تلاميذ تجمّدت أيديهم وأرجلهم داخل حجرات تدريس أشبه بالثلاجات في ظل انعدام التدفئة، فلم تعد أناملهم قادرة على أن تخط الدروس على الدفاتر المبلّلة؟ أم الآباء الذين حتّمت عليهم الظروف القاسية أن يحشروا أبناءهم على متن الجرارات والمركبات التي تحمل أحيانا المواشي لإيصال أبنائهم إلى مقاعد الدراسة جراء انعدام النقل المدرسي، في وضع غير مقبول لا يمت للإنسانية بصلة؟

هل العيب في الأستاذ الذي أضرب للمطالبة برفع منحة المردودية وتمكينه من السّكن، أم أولئك التلاميذ المقبلون على شهادتي المتوسط والبكالوريا، الذين وجدوا أنفسهم أمام رحمة محترفي الدروس الخصوصية؛ فأفرغوا جيوبهم  دون أن يفهموا شيئا من الحصص التي ضيّعوها؟

هل الضحية، هن أولئك المديرات التي وجدن أنفسهن منظفات يكنسن ساحات المدارس بسبب غياب العاملات؟ أم الأستاذ الذي تقمص دور الكهربائي والرصاص في كثير من المواقف؛ لكي لا يضيع حق التلميذ في تحصيل علمي راقٍ؟

من هو المذنب؟ الطبيب الذي يفتقر لتجهيزات تكفل للمريض خدمات طبية في المستوى؟ أم ذلك المواطن الذي قطع الآلاف من الكيلومترات ليجري عملية جراحية فاصطدم بإضراب الأطباء؟ هل العيب في الطبيب المضرب في المستشفى العمومي، ولا يتوانى عن إجراء العمليات الجراحية بمبالغ باهظة في العيادات الخاصّة؟ أم المواطن الذي أنهتكه حياة الفاقة والغبن؛ فباع كل ما يصلح للبيع ليتعافى من مرض فتك بجسده ونفسيته؟

الحقيقة، هي  أن الطبقات المسحوقة في هذا البلد هي التي تدفع الثمن بالعملتين السّهلة و”الصّعبة”، حتى أصبحت مضربة عن الحياة؛ فكثير من المرضى يفضلون الموت بين أفراد عائلاتهم، على الذهاب إلى مستشفيات مشلولة لا تؤمن حتى الحد الأدنى من الخدمات. يرغبون في الموت وهم المتشبثون بالحياة، لأنّهم لا يريدون لكرامتهم أن يمسح بها الأرض، يرفضون أن يُهانوا ويصبحوا كرة تتقاذفها مختلف المصالح الطبية العاجزة عن توفير العلاج لهم.

مثل هذه العينة من البشر التي تجمعت وتحالفت ضدها كل صنوف الغبن، أصبح ذهاب أبنائها من عدمه لا يحرّك فيها شيئا، كون المدرسة لم تعد تلقن العلم والمعرفة، بل كيفية الهروب والتواري عن الأنظار، لذلك، فإن الجميع في هذا البلد أصبح يُعاقب الجميع، مرتديا ثوب الضحية!

مقالات ذات صلة