مواقف غريبة
عندما يقول الدكتور محمد العربي ولد خليفة رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، في منتدى الشروق إنه لا توجد معسكرات لغوية ولا لوبيهات تحارب العربية في الجزائر، وأن حديث المسؤولين الجزائريين باللغة الفرنسية لا حرج فيه ولا يشكل خطرا على اللغة وأن الحديث عن وجود أطراف تحارب العربية في الجزائر مجرد وهم..
- عندما يقول ذلك فإنه يقلب المفاهيم والوقائع والواقع القائم رأسا على عقب، ويجعل كل من يهمه الأمر يتساءل عن الهدف من هذه المواقف والتصريحات الغريبة التي تحاول نفي مرض خطير تعاني منه الجزائر منذ “استقلال” لغويا وحضاريا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا، هو هيمنة فرنسا على كل شيء في الجزائر وتغذيتها لفئة أو لوبي أو نخبة من الجزائريين تسهر على خدمة مصالحها المختلفة والمتشعبة في السر والعلانية، وكيف لا توجد مثل هذه اللوبيهات والفئات والنخب، وفرنسا ذاتها تفتخر منذ بداية تسعينات القرن الماضي بأنها حققت من المكاسب المختلفة والمتنوعة في كل الميادين في ظل استقلال الجزائر، ما لم تحققه طيلة فترة الاستعمار المباشر على مدى 130 سنة!؟
- ثم كيف لا والجزائر تصل إلى هذه التبعية وهذه الهيمنة وهذا الخنوع لفرنسا، بعد أن طمأن الرئيس الراحل الجنرال ديغول الفرنسيين سنة 1963 بأن الجزائر ستعود إليهم على طبق من ذهب بعد 30 سنة على أبعد تقدير.. وذلك ما حدث بالفعل، وهل كان من الممكن أن يحدث لولا وجود فئات ونخب ولوبيهات تعمل من الداخل كالنمل لتحقيق ذلك!؟ وهل الدكتور ولد خليفة يقيم في برج عاجي أو في مغارة سحيقة حتى لا يرى ما تفعله فرنسا واللوبيهات الفرنسية بالاقتصاد الوطني وليس فقط باللغة الوطنية، ألا يعرف على سبيل المثال أن القهر الفرنسي للجزائر اليوم قد طال حتى الأجانب الذين يأتون للاستثمار في الجزائر، حيث أنهم يجدون أنفسهم مجبرين على تنصيب كبار مسؤولي الشركات المستثمرة في الجزائر من الفرنسيين سواء كان ذلك في مجال البنوك أو شركات المواصلات والاتصالات والهاتف النقال (حتى ولو كانت من البلدان العربية) أو شركات تجارة السيارات حتى ولو كانت من اليابان أو ألمانيا أو أمريكا، ولينظر ما يحمله ذلك من القيم الفرنسية سواء كانت لغوية أو غيرها على المجتمع الجزائري عبر الإشهار والإعلانات باللغة الفرنسية أو بلغة عربية أقرب إلى كريول جزر المحيطات ليس من شأنها سوى التنفير من اللغة العربية والإفراط في احتقارها!
- ثم ولينظر الدكتور ولد خليفة إلى التكالبات والمؤامرات والأكاذيب التي تعانيها صحيفة الشروق من الفئات واللوبيهات والنخب إياها، لا لشيء إلا لأنها في انتشارها الكاسح يذكر بأن اللغة العربية مازالت هنا أو على الأقل كانت هنا رغم كل شيء.
- ويجب التأكيد أخيرا أن إثارة هذا الموضوع الأليم في هذا الوقت الضائع، ليس من باب التأخر أو الظلامية أو الغيرة على اللغة العربية، وإنما من باب محاولة تسمية الأشياء بأسمائها. وأن يكون الإنسان مسؤولا عن هيئة كمجلس اللغة العربية في إدارة أو في نظام يعادي هذه اللغة، فذلك لا يشفع له تشويه الحقائق وقلب الأشياء رأسا على عقب.