الرأي

مَخرج الواقعية السياسية.. البديل الأفضل!؟

محمد سليم قلالة
  • 838
  • 7

المسائل الأساسية التي مازالت تُعطِّل التقارب بين الجزائريين في تقديري، ويستثمر فيها الكثير، هي حالة الظلم الاقتصادي والاجتماعي التي يعيشها الناس ويرونها رأي العين، وفي مرتبة ثانية الظلم الثقافي المتعلق بالقيم الوطنية والتاريخ، ثم في مرتبة ثالثة الظلم السياسي المتعلق بالمشاركة السياسية وبشرعية السلطة…

وكما هو معروف، هناك مقاربتان رئيستان لتسوية مثل هذه المسائل، الأولى ترى أن الاستبداد السياسي هو مصدر كل أنواع الظلم، أي عندما تتحكم أقلية في الحكم تُحوِّل كافة الثروات والموارد لصالحها وتستأثر بها مما يُمكِّنها من ممارسة مختلف أشكال الظلم الأخرى… والثانية ترى أن الظلم السياسي، والاستبداد أحد مظاهره، أساسه الظلم الاقتصادي واحتكار الموارد المادية والمالية للدولة من قبل أقلية تَمكَّنت من الثروة في ظل ظرف تاريخي خاص أو تَحوُّلٍ اجتماعي يتميز في الغالب بطابع الأزمة أو الحرب.

ومن غير الخوض في التفاصيل النظرية للاتجاهين وحُجَج كل مدرسة من المدرستين، يبدو أننا في الجزائر عرفنا التجربتين معا. الأولى كانت غداة استعادة الاستقلال عندما سبق الوصول إلى السياسة الوصول إلى الثروة، والثانية بعد التسعينيات من القرن الماضي وإلى اليوم عندما تمكن من وصلوا إلى الثروة بطرق غير مشروعة أثناء العشرية السوداء ومَن ضاعفوا تلك الثروة مع بداية الألفية الثالثة من الوصول إلى الحكم واستغلاله لصالح مزيد من الثروة. وبين التجربتين يُمكِن متابعة شريطَ مختلف أشكال المظالم التي عرفها المجتمع.

في العقدين الأولين تمَكَّن الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله من تخيير القادة السياسيين وأرباب المال بين “الثورة والثروة” في عبارته الشهيرة. وجسّد ذلك على أرض الواقع بالفعل، إذ بإمكاننا انتقاد فترته في كافة المجالات، إلا في مجال نهب ثروة الشعب، فذلك لم يكن مسموحا به، وهو ما جعله يبني شرعيته السياسية التي بدأها من الصفر.

 وفي العقدين الأخيرين كان بإمكان الرئيس السابق أن يُحوِّل الشرعية الاقتصادية والمالية إلى شرعية سياسية، إلا أن ذلك لم يتم، بعدَ أن تَمكَّن أرباب المال، لأسباب عدّة، من التحكم في السياسة، وأصبحوا هم مصدر الخلافات التي يعرفها المجتمع، بل هُم مَن أنتجوا الكثير من الأمراض الجديدة التي سادت في السنوات الأخيرة.

واليوم، نحن أمام مرحلة حرِجة، يبدو لي أنه علينا فيها إيجاد مخرج للبلاد، يَمنَعُنا مِن الاستبدادين معا، باسم السياسة أو باسم المال، باسم الثورة أو باسم الثروة. وهذا المخرج لن يكون في تقديري إلا من خلال اتفاق الجميع، على أولوية إيجاد آليات لوضع حدٍّ لجميع أشكال الظلم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، باعتبارها الأكثر استعجالا، والأكثر ارتباطا بحياة الناس، فضلا عما فيها من عمق سياسي، على أن يَعتَبر ذلك بداية حقيقية لممارسة الواقعية السياسية الأنسب لبلادنا في ظل معطيات الظرف الراهن المحلي والدولي. وسيكون ذلك بمثابة الخيار الأقدَر على أنْ يُجنِّب بلادنا الوصولَ إلى حالة أزمة شديدة نُصبِح فيها، غير قادرين لا على إنتاج الثروة ولا على الإبقاء على الثورة، أي غير قادرين على إعادة الأمل الحقيقي للناس… وهو ما ينبغي التنبيه والانتباه إليه.

مقالات ذات صلة