الرأي

مَن يَتجسَّس على مَن؟ “بيغاسوس” وخبرة “المالغ”!!

محمد سليم قلالة
  • 5027
  • 11

كل حديث عن قوة هذا أو ذاك مِن الذين يشترون تكنولوجيا التجسس إنما هو مجرد هراء، كذلك الزوج أو الزوجة اللذان يعتقدان أن كلا منهما يتجسس على الآخر ببرنامج خفي حملاَّه من موقع Mspy أو غيره وكلاهما لا يَعلمان أن هذا الموقع يتجسس عليهما معا. الأمر سيان بالنسبة للدول والحكومات اليوم. ويُخطئ مَن يعتقد أنه غير مراقب أو غير مكشوف.. حتى المستشارة الأمريكية لم تكتشف إلا بعد 11 سنة (وكان ذلك في 2013)، أن الأمريكان كانوا يتجسسون عليها كما يتجسسون على حلفائهم جميعا. وعندما احتجت، كان الجواب الأمريكي  ببساطة: كُنّا نَحمي “ميركل” وحلفائنا من الإرهاب!!!

فماذا نقول نحن الذين لسنا أكثر من حقل واسع لتجارب برامج التجسس، بل إن بعضنا يُسارع إلى تقديم خدمات لأعدائنا لا تستطيع أرقى برامج التجسس والحواسيب اكتشافها بمجرد الاختلاف مع خصمه في الموقف!!! وينسى الكثير من هؤلاء أن الأعداء يكفيهم تحليل وتركيب تلك التفاصيل التي تبدو متناثرة لتتضح لديهم الصورة كاملة عن واقع شعب وحكومة ونفسية كل منهما وكيفية التلاعب بعقول الجميع ومعنوياتهم… الخ ومن ثَم تدميرهم، دون الحاجة إلى برامج تجسس باهظة التكاليف…

المسألة إذن  في مقام أول، تتعدى هذه التطبيقات المعلوماتية إلى كيف أن نكون كأفراد وحكومات وشعوب، واعين، نعرف ما نقول وما لا نقول، ما نفعل وما لا نفعل بالتكنولوجيا المتاحة لدينا (تطبيقات، مواقع التواصل الاجتماعي، هواتف، حواسيب… الخ)، حتى لا نُصبح لقمة سائغة في يد أعدائنا بأسهل الطرق.

والمسألة في مقام ثان تتعدى برنامجا للتجسس إلى كيف نكون كحكومات مغاربية قادرة على صون أمنها بالتعاون لا بالصراع  والتكالب على بعضها البعض، آخذين العبرة من حقبة التحرر من الاستعمار.

رحم الله الكثير من شهداء “المالغ” MALG وأطال الله في عمر من بقي منهم حيا يرزق عندنا، الذين عند إنشاء المخابرات الجزائرية في سنة 1956 كانوا لا يكتفون بجمع المعلومات والتصنت ومراقبة العدو الفرنسي والكشف عن جواسيسه الذين يعملون ضد جبهة التحرير، بل يتعدى عملهم إلى أولئك الذين يرون فيهم خطرا على الحكومتين التونسية والمغربية مثلما كانت قضية “ماجنتا” في تونس التي هنأ الرئيس بورقيبة عليها المخابرات الجزائرية، وقضايا أخرى في المنطقة… (انظر كتاب، “المالغ: القصة الكاملة” الحاج عبد الرحمن بروان، شهادة أحد رفاق القائد عبد الحفيظ بوصوف). والكل يعلم أن الشقيقتين المغرب وتونس قدمتا أراضيهما لِأُولى مراكز المخابرات الجزائرية التي أسسها عبد الحفيظ بوصوف رحمه الله، سواء في وجدة والرباط (المغرب) أو غارديماو والكاف ودوار الشط (تونس). ولم يكن هناك من يتحدث عن تدخل الحكومتين في عمل الجزائريين، بل إن الجارة الشقيقة ليبيا قدمت ثكنة عسكرية بكاملها في جنوب طرابلس لتكون أكبر مقر للمخابرات الجزائرية فيما عرف بقاعدة الشهيد ديدوش مراد في تلك الفترة.

وأهم ما في الأمر أن قواعد المخابرات هذه كانت من الأهمية بمكان، حيث نجحت في تمكين الأشقاء الثلاثة من عقد مؤتمر طنجة الوحدوي في أفريل 1958 ووفرت للقادة المغاربة كل أسباب النجاح. (جبهة التحرير، الحزب الدستوري الجديد، حزب الاستقلال).

فهل ننتبه اليوم إلى ما يُحاك استخباراتيا ضدنا؟ ونأخذ العبرة من خبرتنا التاريخية كأشقاء يراد التفرقة بيننا؟ وهلاّ اعتبرنا أن المسألة تتعدى برنامج تجسس بين بلدين أو أكثر إلى عمل في العمق، يمنع تكرار انعقاد مؤتمر طنجة ثانٍ بالمنطقة يوحد نضال البلدان المغاربية الخمسة؟

مقالات ذات صلة