مُت واقفا.. لا تعش مُنحنياً
من بين العبارات التي تُلخِّص مشاعر الجزائريين بطريقة فريدة من نوعها تلك التي جَسّدها بكل الإيحاءات الفنان المرحوم سيد علي كويرات في لقطته الشهيرة: “عْلي موتْ واقف”.
لو ترك لنا هذا الفنان الفذ فقط هذه اللقطة لمكنّنا من أن نتذكَّره ونترحم عليه إلى يوم الدين. كل جزائري يجد نفسه بامتياز في هذه العبارة: يريد أن يعيش بكرامة واقفا، وإن لزم الأمر أن يموت فلا يموت إلا بكرامة واقفا غير منحني ولا خانع أو مُقبّل للأيدي والأرجل كما يفعل الكثير.
هذه الخاصية الشخصية والنفسية التاريخية التي ميّزت الجزائري عبر العصور يبدو أن هناك اليوم من يسعى للقضاء عليها واستبدالها بأخرى لا تكتفي بالخضوع والخنوع والطاعة العمياء بل تَقبَل بالانحناء أمام أبسط الإغراءات المادية وعلى رأسها المال والجاه وحب الوصول إلى السلطة والبقاء فيها، ناهيك عن تفاهات مُبتذَلة لا يليق المقامُ بذكرها.
لم يعد مطلب البعض اليوم أن يعيشوا بكرامة أو يموتوا واقفين، بل أصبح مطلبهم أن يعيشوا منحنين ويموتوا منحنين إذا كان ذلك يُلبِّي رغباتهم ويُشبع شهواتهم.
أنتجت السياسة هذا النوع من البشر خلال مدة وجيزة، وعزَّز وجودهم اقتصاد السوق. وانعكس الأمر على مستوى الدولة حيث أصبحنا نرى مواقف تتعلق بالمساس بمقدسات الشعب الجزائري، وبذاكرته التاريخية وبتضحيات شهدائه، لا ترقى إلى مستوى “عْلي موتْ واقف“.
وبدا وكأننا نتّجه نحو فقدان تلك الصورة الرمز عن أنفسنا وبلدنا وتاريخنا. الجزائر الواقفة أبدا، رجالا ونساء… وأصبح من اللازم اليوم أن نتدارك الأمر قبل فوات الأوان.
أن نَمنع تحوّلنا إلى شعب بلا موقف، بلا استعداد للحياة والموت واقفاً. أن نَمنع ذلك التحويل القسري الناتج عن بعض السياسات المفروضة علينا داخليا وخارجيا، من خلال قرارات لها علاقة بالأسرة، واستغلال ثرواتنا الطبيعية والمعدنية، وجمال بلدنا، وما حرّمته وأحّلته شريعتنا السمحاء… وأن نبقى كما نحن؛ شعباً لا يريد سوى أن يعيش بكرامة، يرفض الظلم والانحناء إلا لله تعالى، يرغب في الحياة الكريمة، ولكنه لا يجعل منها مبررا للمذلة والهوان…
هكذا كان الدرس الذي علّمنا إياه الشهداء الأبرار، وهكذا علينا أن نَحفظه وأن نَمنع مَن يريد أن يُبدِّلنا جوهرا غير جوهرنا ولباسًا غير لباسنا ولغةَ تملقٍ وخنوعٍ وانكسارٍ وذلٍ ليست لغتنا.
ويكفي أننا مازلنا إلى اليوم نشعر بعزة وافتخار ونحن نستحضر ذلك الصوت ينادي المرحوم سيدي علي كويرات “عْلي موتْ واقف“، لنقول إننا لم نفقد أنفسنا بعد…وتلك مساحة الأمل.