الرأي

مُحي السُّنة في المغرب الإسلامي

تابعت في الأسابيع الماضية عبر بعض القنوات الشيعية ما يرتكبه من يسمون أنفسهم “شيعة آل البيت” من أعمال يسمونها “الشعائر الحسينية”، وماهي إلا أعمال وحشية يرفضها الدين الإسلامي، وتعافها النفوس السليمة، وتأباها العقول السوية.. لأن هذه “الشعائر الحسينية” ماهي إلا ضرب للصدور، وجلد بالسلاسل للظهور، ولطم للخدود، وإسالة للدماء… كل ذلك – زعموا – حب للحسين – رضي الله عنه- و”ثأر” له، و”دعوة” لمبادئه، و”نشر” لقيمه.. ووالله لو بُعث الحسين – رضي الله عنه- لتبرّأ منهم كما تبرأ سيدنا إبراهيم – عليه السلام- من أبيه.. لأن هذه “الشعائر” المنسوبة -ظُلما- إلى الحسين – رضي الله عنه – تنفر الناس منهم لجهلهم بمبادىء الحسين- عليه السلام -.

إن الحسين وآل البيت الأكرمين – رضي الله عنهم- لن يخرج من أفواههم الطاهرة- ولو كانوا مظلومين – ما يتقيّأه أدعياء الانتساب إليهم من بذيء القول، وفاحش الكلام، وقبيح النعوت، وحقير الصفات في حق أفضل عباد الله بعد رسول الله – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام – وهم أصحابه البررة الكرام، رضي الله عنهم وأرضاهم، وكيف لايكونون كذلك وهم الذين آزروا الرسول الأعظم – عليه الصلاة والسلام- وعزروه، ووقّروه، واتبعوا النور الذي جاء به، وبلغوه إلى الناس في المشارق والمغارب؟

إن معدن سيدنا الحسين ومعدن سيدنا علي وما نَسلا هو من معدن خير من حملته رحم وسعت به قدم، سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام- الذي لم يكن لعّانا، ولا فاحشا… ولا بذيئا في قول أو عمل..

إن أكثر الناس إساءة لآل البيت المكرمين هم هؤلاء الذين يزعمون أن شيعتهم، وإن هذه الإساءة لتصيب الإسلام في مقتل.. وحاشا للحسين وآل البيت أن تكون قلوبهم ملآى بهذا الكم الهائل من الغل والحقد والبغضاء لمن آمنوا بمحمد – صلى الله عليه وسلم- وأشربوا حبّ الإسلام، وحفظوا كتاب الله، وبلغوا دعوته… وكان دعاؤهم ودعاء صادق المؤمنين لله رب العالمين: “ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا..”.

قد ابتلى الله – عز وجل – هذا المغرب الإسلامي في نهاية القرن الثالث الهجري بتسلل “التشيع” هذا المذهب “الغامض” – كما وصفه الإمام محمد البشير الإبراهيمي، والمملوء غلا للمؤمنين وحقدا عليهم – إليه (المغرب)، حيث تمكن أحد سماسرة السياسة من إقناع بعض الحجاج من قبيلة كتامة على أنه من “لال البيت”، فجاءوا به إلى هذه المنطقة، فراح يدعو إلى هذا المذهب، مستغلا الأوضاع السائدة من جهل، وقلة وعي، وحب صادق لسيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام- وآله الطاهرين -رضي الله عنهم-، وتمكن من إقامة هذه الدولة المختلف حتى في تسميتها، إذ من المؤرخين من يسميها “الدول العبيدية” نسبة إلى عبيد الله بن أحمد بن اسماعيل الثاني؛ ومنهم من يسميها “الدولة الفاطمية”، نسبة – كما زعموا- إلى بضعة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فاطمة الزهراء، رضي الله عنها.

لقد أشاعت هذه الدولة منكرا من القول، وزورا من الفعل في العقائد والعبادات، وأضلت جبلا كثيرا، وأسالت كثيرا من دماء المسلمين الذين رفضوا ضلالها.. كقول أحد الشعراء لعبيد الله:

حلّ برقّادة”المسيح” حلّ بها “آدم” و”نوح”

حلّ بها “أحمد المصفى حل بها “الكبش” و”الذبيح”

حل بها “الله” ذو المعالي وكل شيء سواه ريح (1)

.

وكقول شاعر آخر للمعزل “دين الله الفاطمي”:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم، فأنت الواحد القهار (2)

وهذا ما جعل بعض علماء السنة يرون “أن الخروج وقطع دولة بني عبيد فرض”..(3) وجاء في بعض المصادر أن الإمام أحمد الداودي – أول شارح لصحيح البخاري، ودفين تلمسان- “كان ينكر على معاصريه من علماء القيروان سكناهم في مملكة بني عبيد…(4). ولا شك أن من كوارث الهالك القذافي وبلاياه دعوته وسعيه إلى إحياء هذه الدولة التي أهلكت الحرث والنسل..

انتقلت الدولة العبيدية إلى مصر بفضل سواعد أبناء قبيلة كتامة، واستخلفت على منطقة المغرب الإسلامي رئيس قبيلة صنهاجة وشيخها بلكين بن زيري.. مؤسس الدولة الزيرية.. أو الصنهاجية الذي حكمها من سنة 361 إلى 373 من الهجرة.

وآل حكم هذه الدول إلى أحد أحفاد بلكين وهو “المعز بن باديس”، الذي اعتلى كرسي الحكم في سنة 406هـ – وهو ابن ثمان سنوات- واستمر حكمه إلى سنة 454 هـ..

إن أهم أعمال هذا الأمير الجليل هو قيامه بما سمي “حركة التطهير (5)“؛ أي تطهير المغرب الإسلامي من هذا “التشيّع” الشنيع الذي يعج بالمنكرات القولية والفعلية، “ولا يثير إلا الحفائظ والإحن، ولا يثمر إلى توسيع شقة الخلاف (6)“.. ويكفي هذا “التشيع” شناعة وقبحا أن يرضي ابليس بلعن الخيرة من صحابة رسول الله – عليه الصلاة والسلام- وفي مقدمتهم سيّدانا أبوبكر وعمر، وأمنا عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهم أجمعين. فهل يرجى خير ممن يفعل هذا؟

لقد ألغى المعز بن باديس – رحمه الله – كل المظاهر التي تذكر بالشيعة المنحرفة، فأبطل الخطبة للعبيديين، ودعا للعباسيين، وغيّر لون الأعلام، وألغى”الأذان”الشيعي، وبدّل العملة التي كان مكتوبا عليها “لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليّ أفضل الوصيين ووزير خير المرسلين(7)” أو”عليّ خير صفوة الله”، أو “علي ولي الله” وسكّ عملة جديدة كتب على أحد وجهيها “من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه”، وعلى الوجه الثاني”لا إله إلا الله محمد رسول الله”، أو”يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا(8)“.

لقد تفاعل المجتمع المغاربي مع عمل المعز بن باديس، فآزره في ذلك صفوة العلماء، وأيده الشعب (9)، وأشاد به الشعراء، كقول أحدهم:

يا معز الدولة عش في رفعة وسرور، واغتباط وجذل

أنت أرضيت النبي المصطفى وعتيت في”الملاعين() السفل

لقد حدثنا الشيخ أحمد حماني -رحمه الله- أن الإمام ابن باديس – رحمه الله كان يقول لطلبته: إنني أفتخر بجدي المعز بن باديس، لا لأنه كان ملكا؛ ولكن لأنه أعاد السُّنة إلى هذا المغرب.

إن فضل المعز بن باديس على هذا المغرب الإسلامي العظيم، حيث أعاد له وحدته المذهبية، فحفظه بذلك من فتن تهلك الحرث والنسل، وتأتي على الأخضر واليابس، ومن كان في هذا القول يمتري فليمدد بصره إلى العراق، ولبنان، وباكستان، وأفغانستان، واليمن.. وما يقع فيها من فتن.

وإننا نتواصى جميعا في وطننا الحبيب وفي مغربنا الكبير أن نعض بالنواجذ على هذه الوحدة الدينية والمذهبية، التي يشتاق إليها غيرنا ولو كانت في كفر، وأفضت إلى جهنم، عياذا بالله، حيث يقول شاعر أصيب قومه بالفرقة الدينية والمذهبية.

سلام على كفر يوّحد بيننا وأهلا وسهلا بعده بجهنم

وليتق الله هؤلاء العابثون بهذه الوحدة، الذين يعملون – بوعي أو بغير وعي- على إدخال مذاهب أخرى – ولو كانت “سنية”- إلى هذا المغرب الكبير، فيثيرون الفتن، ويفرقون الصف، ويمزقون المجتمع – ورحم الله المعز بن باديس عدد الرمل، والحجر، والشجر والبشر.

.

هوامش:

1 2 3) عبد العزيز المجدوب: الصراع المذهبي بإفريقية.. ص 172 و173.

4) عبد الرحمان الجيلالي: تاريخ الجزائر العام. ج 1. ص 354. ط. دار الأمة.

5) السيد عبد العزيز سالم: المغرب الكبير.. ج2. ص658.

6) الإمام الإبراهيمي، الآثار.. ج1. ص332.

7 8) حسن حسني عبدالوهاب: ورقات .. ج1. ص 443 444.

9) المرجع نفسه.. ج3 ص57.

(❊) لا نحب لعن الناس، ولكن كيف لا يُعلن من جَلب لنفسه اللعن بلعنه أصحاب رسوله الله، ويُكفِر من لا يؤمن بـ “إمامة” سيدنا علي وولايته السياسية؟ ولو بعث الله- عز وجل- سيدنا عليا والحسين لكانا أو اللاعنين لمن يلعن صفوة الصحابة -أصهار رسول الله – وحبيبته أمنا عائشة…

مقالات ذات صلة