-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعدما كانت مجالس الصلح تفصل حتى في القضايا الجنائية

مُسنّون يُقتادون إلى المحاكم كشهود ومتهمين في قضايا طريفة وغريبة

رانية. م
  • 1312
  • 0
مُسنّون يُقتادون إلى المحاكم كشهود ومتهمين في قضايا طريفة وغريبة

يستاء كل مرتاد للمحاكم بدرجاتها المختلفة، من تواجد مسنين بلغوا من العمر أرذله، يستندون على عكاز أو يدفعون على كراس متحركة، للمثول أمام المحكمة في مراكز قانونية مختلفة، منهم شهود وضمنهم متهمون وضحايا، انتهت بهم خلافات أبنائهم مع بعض أو اختلافاتهم معهم في أروقة المحاكم، في قضايا كانت أغلبها في الماضي القريب لا تتعدى أسوار المنازل أو حدود القرى..

قضايا تكشف درجة الانحلال الخلقي والتدهور الاجتماعي الذي قضى على الأعراف والتقاليد المحافظة على وحدة وتماسك الأسر، حيث كانت الخلافات والصراعات التي تعيشها العائلات في القرى، تُحل بين أفراد ذات الأسرة وقد يتدخل بعض العقلاء والكبار لحلها دون اللجوء للقطيعة والمشاحنات، وكانت لجان القرى والأعراش أو ما يسمى بـ”ثاجماعث” بمنطقة القبائل تغرّم كل من يلجأ إلى العدالة لفك خلافه مع جاره أو قريبه دون المرور بجلسات الصلح عبر هذه الهيئة، التي كانت تفصل قديما حتى في القضايا الجنائية وأحكامها تكون نهائية ولا تناقش، ومن يتجاوزها يعزل في القرية ويبقى وحيدا لاعتبار ما قام به مجلبة للعار وتعدّ على مكانة هذا التنظيم الذي أبقى المجتمعات قائمة لقرون من الزمن رغم تداول مختلف الجنسيات والدول على استعمارها.

الاطلاع على القضايا والخلافات التي كانت “ثاجماعث” تقوم بفكها والعائلات تلتزم بها وتطبقها، يجعلك تندهش من درجة التقهقر والتدهور الذي بلغه المجتمع الجزائري والقبائلي وعلى حد سواء، حيث أصبحت أتفه الخلافات تقود أفراد عائلات كاملة إلى المحاكم، يقحم فيها كبار السن دون أدنى احترام لمكانتهم ولا سنهم، فتجد شيوخا لا السمع ولا البصر ولا القدرة تسمح لهم بالتنقل إلى هذه المحاكم للمثول أمامها ولا لانتظار أدوارهم، حيث كثيرا ما يصاب هؤلاء بالإغماء، تعبا وخجلا من المواقف التي يوضعون فيها، خصوصا وأن المحاكم في نظرهم خلقت لتكون مزارا ومكانا للمجرمين والمنحرفين، فالتواجد هنا يشعرهم بالحرج والخجل.

كنّة تقود حماها إلى المحاكم بسبب مرحاض

أعرب الحاضرون في محكمة الاستئناف بمجلس قضاء تيزي وزو عن استيائهم من قضايا متفرقة كان المتهم فيها واحد والضحية نفسها، حيث أودعت المعنية شكاوى متفرقة ضد حماها الذي يقوم بإعالتها منذ زواجها بسبب مرض زوجها، إلا أنها لم تتردد في اقتياده لمراكز الأمن والمحاكم بحجة انه تسبب في تحطيم مرحاضها، الأمر الذي أصاب المتهم في السبعينات من العمر بالدهشة والإحباط، قائلا أنه قام بتحطيم مرحاض بيته لإعادة تركيب آخر، مضيفا “إنه منزلي الذي بنيته بأموالي وتعبي لو أردت تحطيمه كليا، لفعلت دون أن يحق لأحد محاسبتي، كنتي وفي عمري لازلت لحد اليوم أعيلها مع أبنائها وزوجها، بسبب حالة العوز، لم أستطع طردهم من منزلي ولا قطع المصروف عليهم، لأنهم أبنائي فكيف لها أن تشتكي بي بسبب مرحاض….وتطالب بسجني غير مكتفية بالغرامة التي عوقبت بها…حقا خيرا تعمل شرا تلقى…” كلمات مؤثرة أثارت الحسرة والاستياء وسط الحاضرين ….

وأخرى تطالبه بالتنقل لدار المسنين

قضية أخرى لا تقل تأثيرا عن السابقة، حين مثل شيخ في الثمانينات من العمر متهما بالسب والشتم من قبل ابنه وكنته حيث قال إنه ساعدهما ماديا لبناء فيلا و10 محلات تجارية، يعيشون كالملوك بعائداتها، لكنها كلما مرت أمامه صباحا أو مساء تهينه وتطالبه بقضاء ما تبقى من حياته في دار المسنين، معترفا بسبه لابنه حين لجأ إليه يشكوه تصرفات زوجته، فطالبه هو الآخر بالذهاب لدار المسنين لتواجد أقرانه فيها….

مقعدة تحضر للشهادة ضد ابنها لصالح شقيقته

قضية أخرى كانت طرفا فيها إحدى المسنات التي حضرت على عكازها تتحرك بصعوبة، ولم تتمالك نفسها أمام هيئة المحكمة حين انهارت باكية، تسأل القضاة ضرورة الاعتماد على شهادتها، حيث أجبرتها ابنتها للحضور كشاهدة في قضية كانت فيها وشقيقها طرفين أحدهما متهم والآخر ضحية، وحاولت العجوز النطق بكلمات لا تغضب ابنتها ولا تدين ابنها..”هل شهادتي إجبارية يا سيدي؟ هذه ابنتي وهذا ابني..الجميع يتشاجرون كما تعلمون، اطلقوا سراحه أرجوكم أبناؤه صغار وهو مسجون منذ شهرين…”. الشقيق المتهم أكد أن أخته كثيرة المشاكل، تفتعل الشجارات كلما زارت والدتها الماكثة لديه وأودعت ضده شكوى كيدية تفيد أنه اعتدى على والدته بالضرب والأخيرة أكدت أنها وقعت بالحمام…

قضايا متعددة وأسباب قد توصف بالفارغة والتافهة، أصبحت المحاكم تعج بها والمسنون بشكل أو بآخر يحشرون كأطراف فيها، دون الأخذ بعين الاعتبار أسلوب حياتهم ونظرتهم للأمور، حيث لا يتوانى الأبناء والأقارب في تصفية حساباتهم وحل خلافاتهم بجرهم إلى العدالة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!