الرأي

نحت “الأصنام” في الجزائر

يخطئ زملاؤنا في الخبر، عندما يظنّون بأن المواطن البسيط، منشغل بقضية بيع مُجمعّهم، وبما يسمى حرية التعبير والديمقراطية، وتخطئ أطراف من السلطة، عندما تظن بأن الناس يصدقون حكاية الأخطبوط المدهون بالزيت والزبدة والمحلىّ بالسُكر القادم لالتهامهم، وإعادة جنرالات التسعينات للتحكّم فيهم.

فكل المشاهد تؤكد بأن لا أحد منشغل بهاته المعركة، إلا المحاربون فيها من الطرفين، الذين حاولوا أن يجعلوها مصير أمة، أعدِمت فيها المئات من الصحف ولا أحد تألم، وابتلع فيها الأخطبوطات الأخضر واليابس، ولا أحد همّه الأمر، لأجل ذلك قدّم غالبية الجزائريين استقالتهم من المشهد السياسي، وحتى الحياتي، وتحوّلوا إلى مشاهدين يتابعون بفضول أحيانا، وأخرى بمتعة ما يقدمه بعض رجالات السياسة والمال، لبعض الوقت، وبسبب تكرار نفس المسرحيات قرّروا ترك المسرح نهائيا، بعد أن بدت قضية “ربراب” فيلما مكرّرا شاهدناه من قبل، ولكن بتغير الممثلين فقط.

عندما يهاجم بعض أفراد السلطة رجل “الأعمال” يسعد ربراب ويقدمون أرقاما بمئات الملايير من تهرّبه الضريبي ويصفونه بالأخطبوط، إنما يهاجمون أنفسهم أولا، فالأخطبوط علميا هو حيوان مائي، له ثلاثة قلوب يعيش بها، وسبعة أذرع يفترس بها الأسماك، ولا أحد يحهل بأن السلطة لم ساعدت هذا الأخطبوط، بغض البصر عن “ديونه لدى الضرائب” على تنمية قلوبه وأذرعه لافتراس المواطنين بـ”طٌعم” ما يستورده من أموال النفط من البرازيل، حتى كافأته بجزيرة الأحلام، وعندما يهاجم بعض المدافعين عن ربراب السلطة ويصفونها بجزّار الحريات، فإن التهمة نزلت متأخرة جدا، لأن السكين قطع منذ ربع قرن المئات من الصحف، وكان هذا “الجزار” حبيبا للمدافعين عن السيد ربراب.

الذين هاجموا وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، عندما حمل حقائبه وطار إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عجزوا عن الإجابة عن فضول الناس الذين سألوهم عن صمتهم طوال إحدى عشر سنة، وهو يحمل حقيبة وزارة الثروة ويتجوّل من مدينة إلى أخرى، والذين استقبلوه بأحضان الزوايا وجعلوا منه خليفة راشدا عندما عاد إلى أرض الوطن، عجزوا عن الإجابة عن فضول الناس الذين سألوهم عن صمتهم عندما كان في القارة الجديدة،  والذين يهاجمون ربراب الآن، سيعجزون عن الإجابة عن فضول الناس، عن صمتهم طوال ربع قرن من تشييده لإمبراطورية من استيراد الطعام من ريع النفط، جعلته أحد أثرياء المعمورة، والذين يدافعون عنه، سيعجزون عن الإجابة عن غيابهم في مجازر الصحافة الجزائرية بكل أطيافها، والطامة الكبرى أن الحيوان الذي رفض الانقراض في الجزائر ليس الأخطبوط الذي يعتبر أذكى الحيوانات المائية، وإنما الحرباء التي تتلوّن بين عشية وضحاها.

نحت “الأصنام” صار فنّا سياسيا قائما بذاته في الجزائر، فلا هي تماثيل تمنح العين فسحة التمتع بفنها، ولا هي نماذج للذكرى وتمجيد الرجالات.

فقد روى فاروق الأمة عمر بن الخطاب حادثة أضحكته وأبكته، عندما كان يصنع آلهة من التمر ليعبدها، وعندما يشتد به الجوع يأكلها، لكنها في نحت “أصنام الرجال” في الجزائر لا ضحك فيها، والذين نحتوا “شكيب” ثم أكلوه ثم نحتوه، ونحتوا “ربراب” وقد يأكلنوه ثم ينحتونه مرة أخرى… سينحتون ويأكلون “أصناما” أخرى.

مقالات ذات صلة