-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نحو دور أمثل للجامعة الجزائرية

حسن خليفة
  • 461
  • 0
نحو دور أمثل للجامعة الجزائرية

الجامعة هي “موطن المعرفة” وصانعة الابتكار والإبداع، وقاطرة المجتمعات، أو هكذا يجب أن تكون. غير أن القائم والمتوفر في بلدنا يكاد يكون عكس ذلك، وهو المستفاد من معايشة الجامعة على مدار عقود؛ إذ تكاد تكون فضاءَ حضانة للكبار لا أكثر، دون أن يعني ذلك تجاهل الاستثناء الذي تصنعه بعض الجامعات هنا وهناك. لكن الاستثناء يبقى استثناءً ولا يُقاس عليه.. وما يهمنا هو القاعدة الكبيرة.

هذه ملاحظات تتقصّدُ دورا أمثل للجامعة، لعلها تساهم في تفكيك الإشكال، وتقرِّب الرؤية وتصحِّح التسديد. أوردها في نقاط:

  • إقرار وإدماج كل ما له علاقة أنظمة للجودة في التعليم العالي ووجوب العمل بها، واعتمادها في منظومة سير التعليم العالي بكل ميادينه وشعبه: إدارة، وتسييرا، وتدريسا، وتعلّما وتعليما، وأداءً… لكل موظفي القطاع.
  • استهداف تجاوز ضعف التحصيل العلمي وضعف التكوين بما بات ينعكس ـ منذ سنوات ـ وبشكل سيء على المخرجات المتمثلة في ألوف المتخرجين والمتخرّجات والذين يشتركون في الحصائل الضعيفة علميا وعمليا، وهو ما يُجمع عليه الأساتذة والمشتغلون والمهتمون بقطاع التعليم العالي في بلدنا، وقد صرّح به الكثير منهم بالكتابة أو بالحديث.

أغلب الطلبة والطالبات ممن أتيحت لهم فرص العمل يجدون صعوبة في التأقلم، وصعوبة أكبر في أداء أعمالهم، وذلك أساسا يعود إلى البون الشاسع بين ما تلقوّه في الجامعة وما هو قائمٌ في الواقع، يضاف إليه ضعفُ التحصيل وقلة الزاد العلمي والمعرفي، لأسباب مختلفة لعلّنا نعالجها في مقال آخر.

ومن الضروري التأكيد هنا على أنه من أوجب الواجبات وأولى الأولويات أن يستهدف إصلاح التعليم العالي هذه المسألة بصورة أساسية؛ لأنها تمثّل المخرجات الحقيقية للجامعة.

وقد أشرتُ إلى الإجماع على ضعف الجانب التطبيقي في كل  الاختصاصات، علمية وإنسانية.

  • الفجوة الكبيرة بين الواقع الذي ينبغي أن يستوعب نسـَبا عالية من أعداد المتخرجين، والمقصود بـالفجوة هنـا تلك التي بين التكوين -على ضعفه وتهافته- وبين العمل، والميدان وهذا يحتاج إلى عمل جبار وتخطيط دقيق واستشراف.. مع التركيز على المقاييس والشعب ذات الصلة بالواقع والحياة، والتقليل من الشُّعب ذات الاختصاصات النظرية التي لا صلة لها بالواقع، ولا تقدِّم ما يفيد المتخرجين والمتخرجات في حياتهم وفي عملهم.
  • وبالطبع ليس هذا بالأمر اليسير، ولكنه ضروري، ولكل مشكلة حلّ إذا صفت النيّات وتداعت الإرادات الصادقة المخلصة. وهذه النقطة في حدّ ذاتها تحتاج إلى اشتغال واهتمام جدّي ومنهجي من قِبَل الوزارة ومصالحها المختصة.
  • استحداث محور مهم يُسمى “خدمة المجتمع” معروف في الجامعات الغربية والعربية، وهذا أمرٌ يفيد أولا في الانفتاح على المجتمع ويفيد ثانيا في خدمته، بما يمثل قيمة مضافة ومسؤولية اجتماعية من الجامعة إزاء المجتمع الجزائري. وهو جزءٌ من واجب الجامعة نـحو المجتمع بكل فئاته وشرائحه.

قد تتنوع أساليب الخدمة وتتعدّد، ولكنها تبدو أمرا ضروريا لإشعار المجتمع بوجود الجامعة، وبأنها نافعة ومفيدة له في مضطرب الحياة وشعابها. ولعليّ هنا أشير إلى أمر بسيط، على سبيل المثال لا الحصر، ولكنه هامّ ويتعلق بدور الجامعة في محور الأمية؛ إذ ما تزال الأمّية في مجتمعنا مرتفعة النسبة، وما يزال الكثيرون والكثيرات يعانون من آفة الجهل في أدنى مستوياتها وهي “فكّ الحروف” وتعلم القراءة والكتابة. فضلا عن وجود أميات أخرى: دينية، علمية، ثقافية، جمالية، أسرية، يمكن للجامعة لو صحّت النيات أن تقوم فيها بأدوار مهمة للرقيّ بالمجتمع وصناعة أفق حيوي جدير بالتقدير.

  • ضرورة وأهمية إدماج محور “الإرشاد الأكاديمي” في المنظومة الجامعية، في جميع السنوات وفي جميع التخصصات تقريبا.

ويقتضي ذلك مرافقة الطلبة في كل التخصصات، وفي كل السنوات بإرشاد علمي أكاديمي وحياتي مناسب ييسّر عليهم فهم طبيعة المواد التي يدرسونها، وكيفيات التحصيل العلمي، والتدرّب على أساليب البحث العلمي وتقنياته، والوصول السهل إلى المصادر والمراجع الخ…

  • الاستفادة من الظرف الحالي وتحدّياته الجائحة.. بإعادة النظر في مسألة التعليم عن بُعد، وترسيخ الاستخدام الجيد والواسع لتقنيات الاتصال والتواصل الحديثة، وإعادة توجيه الطلبة إلى الجانب الإيجابي في هذه الوسائط والمعطيات الحضارية، فلا تُستخدم بإسراف فيما لا فائدة منه، وهذا هو شأنهم للأسف الشديد، بل وجب استخدامها في زيادة وعيهم وزيادة تحصيلهم العلمي والثقافي، والاستفادة القصوى من هذا المعطى الحضاري الكبير الذي فيه من النفع الكثير، وقد استفادت منه أممٌ ومجتمعات على نحو جدير بالاحتذاء والتفعيل.

وقد يقتضي الأمر تكوينا سريعا للهيئات التدريسية في الاستفادة واستخدام المنصات الخاصة بالتحاضر عن بعد، أو التعليم على الخط، وإيجاد صيغة مناسِبة لتعميم هذا الأمر على مستوى الجامعات، والمراكز الجامعية، والمدارس العليا…

  • اعتماد صيغة الجامعات الكبرى، على غرار ما هو في العالم، وتعزيز وترسيخ قوّتها في المنظومة الجامعية الوطنية، والتقليل من فتح الجامعات والمراكز الجامعية بالشكل الذي هو عليه، بما جعل الجامعة مجرد فضاء بلا قيمة علمية ولا قداسة رمزية. وهذا أمرٌ استراتيجي.
  • بالطبع ينبغي التكفّل الحقيقي بالنخبة الجامعية، وبالأخص الأساتذة، من جميع النواحي، فلا تزال مكانة الأستاذ الجامعي بعيدة عن المطلوب، ويعرف الجميع ذلك.

ويتعلق الأمر هنا بالجانبين معا:

أـ الجانب المادي (الأجور بتحسينها والمساواة فيها)، وإيجاد فضاءات (قاعات أساتذة محترمة، مكتبات، توثيق…)، فضلا عن جوانب أخرى لها صلـة بتحسين البيئة الجامعية التي ينبغي أن تكون جاذبة ومحفّزة.

ب ـ  الجانب المعنوي بإشراك الأستاذ في كل ما يتعلق بتسيير وتدبير الشأن الجامعي باستشارته، وطلب رأيه، مع العمل به. وصنوفُ الإشراك كثيرة ومتعددة، كما أن أساليب الاستفادة من خبرات الأساتذة وكفاءاتهم كثيرة ومتنوعة، ولكن التسيير الإداري الرديء ووجود الشحناء والبغضاء ورذائل الأخلاق، وانطواء النفوس على الأحقاد والحسد وسوء الظن والغيرة منعت الكثير من الخير والنفع الممكن استخراجهما من عقول وقلوب الأطر الجامعية التي وصلت إلى نحو 70 ألفا من الأساتذة وما يزيـد عليهم عددا من الموظفين، وأما أعداد الطلبة فتناهز المليونين، فهل يمكن أن ينعدم الخير في كل هذه المجاميع الضخمة؟ وهل يصعبُ إيجاد صيغ ووسائل للاستثمار في هذه النخبة الكبيرة؟

والجواب: لا يصعب.. إنما يكمـنُ الإشكال فيما يمكن تسميتُه بـ”العجز القيادي” في النُّخب التي توالت على الوصاية منذ عقود.

هل ينبغي التذكير أن الأصل هو أن تُسند الوزارات ذات الصلة بالعلم والتعليم إلى شخصيات برتبة “مفكر”، أو”مستشرف” أو “عالم” مثل الدول المتقدمة علميا؟

نأمل ذلك، لأن الإقلاع الحقيقي تصنعه الجامعة عندما تكون جامعة حقيقية تقود المجتمع، وتؤدي دورها  بتأهيلـه، كما تؤدي دورها في تقدير العلم وترقيته، وإنتاج المعرفة، وابتكار الحلول لمشكلات المجتمع والدولة، والارتقاء إلى مستوى المسؤولية.

هل ينبغي التذكير هنا أن الأصل هو أن تُسند الوزارات ذات الصلة بالعلم والتعليم إلى شخصيات برتبة “مفكر”، أو”مستشرف” أو “عالم” كما هو الشأن في الدول المتقدمة علميا؟

نأمل ذلك دائما، لأن الإقلاع الحقيقي تصنعه الجامعة عندما تكون جامعة حقيقية تقود المجتمع، وتؤدي دورها  بتأهيلـه، كما تؤدي دورها في تقدير العلم وترقيته، وإنتاج المعرفة، وابتكار الحلول لمشكلات المجتمع والدولة، والارتقاء إلى مستوى المسؤولية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!